أحمد الغانم: «الخميس» أقدم مساجد البحرين
المنامة ــــــ جاسم عباس
عندما تزور «البلاد القديم» في مملكة البحرين تجد الماضي والحاضر، قرية صغيرة تشاهد آثارا من الأحجار، كُتبت عليها كتابات مسمارية، وشواهد قبور من الحجر الأسود (البازلت)، وأثناء مروري شاهدت مسجدا يسمى «الخميس» مشتقّاً من اسم سوق كان يفتح أيام الخميس، وهو من أقدم الأسواق في البحرين، وملتقى الناس من جميع القرى المجاورة، ويسمى مسجد أبو منارتين، وكان يسمى جامع «المشهد»، يعود تاريخه الى فترة القرن الثامن الميلادي (700 ــــ 800)، وأما «البلاد القديم» فيرجع أحفاد أهالي القرية الى جذورهم من قبيلة عبد القيس.
التقيت مسؤول استقبال مركز زوار مسجد الخميس أحمد غانم الغانم، فقال مشيرا الى بعض الصور والحجارة في مركز الزوار: عبارة عن دكاكين قديمة ومبان تاريخية، رسمت البقايا الأثرية من حياة السكان من بيع السمك وذبح الأضاحي، بالإضافة الى بيع الدجاج والمحار والأسماك، وأفران من الطين (التنور) لا تزال تستخدم في صنع الخبز بالبحرين، واشار الغانم الى صور عن التقنيات من بقايا الشعير والقمح، والرحى لطحن هذه الحبوب، وعندما تسأل عن موقع المسجد بعضهم يرد: يُعرف أيضا بمسجد المشهد ويعرف بالأرض الخضراء لكثرة النخيل والمزارع في هذه المنطقة (البلاد القديم).
المركز
أوضح الغانم ان مسجد الخميس كان مركزا لمستوطنة كبيرة المساحة يعود تاريخها الى الفترة ما بين 8 و14 ميلادي، وحول المسجد عثر على مخلفات معدنية تدل على أن هناك أعمالا لصهر الحديد وعمل الحدادة، ووجدت آلة لغزل خيوط القطن وتصنيع القماش، وهناك دلائل وآثار ان في «البلاد القديم» وحول المسجد بقايا من الأصباغ، تدل على أن المنطقة كانت تنتج أصباغا، وأدلة على انتاج الفخار، وأصداف محار اللؤلؤ تدل على عرق اللؤلؤ الذي كان يشتغل بها.
وأضاف: وجد حول مسجد الخميس بعد التنقيب أن هناك حركة تجارية نشطة، كانت الأخشاب تستخدم كعوارض في بناء المسجد والبيوت، وكانت تستورد من الهند، والأسقف من خشب المنغروف، ومركز الخميس كان غنيا بالخزفيات الصينية والفارسية، والفيروزية من العراق، والأواني المصقولة من الهند وجنوب منطقة الخليج العربي، وعثر على العقيق الأحمر (عاج فرس النهر) من أفريقيا، بالإضافة إلى أوعية زجاجية، وتم العثور في مركز الخميس على أشهر صادرات البحرين آنذاك، وهو اللؤلؤ المزيّن على جزء من صفيحة نحاسية
مثقوبة، تشبه المناخيل التي كان يستخدمها تجار البحرين لتقييم وتصنيف حبات اللؤلؤ.
مثقوبة، تشبه المناخيل التي كان يستخدمها تجار البحرين لتقييم وتصنيف حبات اللؤلؤ.
آثار إسلامية
وقال الغانم: لقد عثر في «البلاد القديم» وحول المسجد على ممتلكات شخصية، كانت بحوزة سكان المنطقة، منها أصداف لتزيين الملابس، وبعض المجوهرات وخرز من العقيق والزجاج وملعقتا كُحْل، وأوعية فخارية مزخرفة بالخط العربي، وقد كُتبت على إحداها بداية البسملة، ورخويات وقواقع بحرية، وشواهد للقبور منحوتة ومصنوعة من الحجر الجيري في محيط المسجد، ويعود تاريخ أغلبها إلى ما بعد تاريخ بناء المسجد والآثار المحيطة به، وكانت معظم الشواهد منحوتة بشكل متقن، تخليداً لذكرى الموتى، مما يشير إلى ان المنطقة (البلاد القديم) ظلت مهمة بالنسبة الى شعب البحرين، على الرغم من ان نشاط الاستيطان البشري انتقل إلى أمكنة أخرى من الجزيرة. وقال الغانم: في منطقة «البلاد القديم» آثار تم التعرّف على حضارة دلمون من أحجار موجودة في المتحف الوطني، وفيها مقابر، خاصة المقبرة القريبة والتابعة للمسجد، مدفون فيها كبار المشايخ والعلماء والفقهاء والأعلام، وفيها عيون سادت، والآن بادت مع التطور، ويقال بلغت أكثر من ثلاثين منها المهمة عين أبو زيدان للاستحمام والمتعة. وأضاف: من خلال المراجع والكتب عن البحرين وسوق الخميس الذي سمي المسجد باسمه
يعتبر من الأسواق الكبيرة، وعلى مساحة واسعة استوعبت للبقالين والقصابين ولبيع الأسماك والمحاصيل الزراعية والحرف اليدوية والحلاقين والعطارين وبيع الحلوى والحمير والمواشي، محال كانت مبنية من الطين والحجارة، وليست عليها أبواب ومظلات للروّاد تحميهم من حرارة الشمس، مصنوعة من جريد النخل، وكانت السوق مفتوحةً يوم الخميس فقط، بعد ذلك فتحت هذه الفروع طوال أيام الأسبوع ويوم الخميس نصف يوم، وكما قالوا ان الأسواق القريبة من سوق الخميس مفتوحة طوال أيام الأسبوع عدا يوم الخميس، حيث ينقل الباعة بضائعهم إلى سوق الخميس للبيع. وأضاف: ومن الآثار الإسلامية وجدت الأحجار والصخور وكتابات منقوشة على بعض الأحجار، ومنها حجر محراب المسجد المعروف بجامع المشهد، أي الخميس كتب على الحجر «بسم الله الرحمن الرحيم»، وآثار تدل على بداية انتشار الاسلام في ربوع جزيرة العرب، فوصل الى البحرين حتى أصبحت إحدى ولايات دولة الإسلام الأولى في عهد الرسول محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم)، وكل الدلائل التاريخية تدل على أنها كانت كثيفة السكان ومركزا تجاريا مهما، وتمورها وفيرة، ولقد زادت أهميتها لدى الدول الإسلامية المتعاقبة، وإن عمارة مسجد الخميس هي نفس عمارة المساجد الأولى في الاسلام، والتي ظهرت في القرن الأول الهجري ــــ السابع والثامن الميلادي.
وقال: وكما في الكتب التاريخية الموثوقة إن سقف المسجد محمول على أعمدة من جذوع النخيل، والمتحف البحريني يدلنا على وجود مكتشفات الآثار التي تعود الى تاريخ «البلاد القديم»، والاكتشافات أثبتت أن الماضي الزاخر أسهم في تاريخ الإنسان، فأرض البحرين أرض تراث متميز، أرض ربطت الحاضر بالماضي والمستقبل.
هندسة معمارية
وتحدث الغانم عن تاريخ بناء المسجد الذي يعود تاريخه الى القرن الثامن الميلادي، ويمثل تلك المرحلة الزمنية من الناحية المعمارية جدار القبلة والمحراب اللذان عُثر عليهما، وثمة من يعتقد أنه تمت توسعة المسجد وإعادة تشكيله في القرن الحادي عشر الميلادي، ثم أضيفت مئذنتاه في القرنين الــ12 والـــ14 الميلاديين، وعثرت اللجنة الفرنسية على عارضة خشبية من سقف المسجد بواسطة الكربون المشعّ تعود الى القرن الــ13 الميلادي.
واضاف: تبلغ أبعاد بناء المسجد الذي نراه اليوم 24 مترا عرضا، و29 مترا طولا، وأما ارتفاع مئذنته فيبلغ طول إحداهما 21.76 متراً، والأخرى 21.40 متراً، أما المساحات الداخلية للمبنى فتحتوي على 23 عمودا دائريا، بالاضافة الى عمودين دائريين آخرين غير ظاهرين للعيان، يقعان تحت الأعمدة داخل الهيكل المسقوف، وتوجد أيضا أعمدة دائرية مزدوجة، ويقع المحراب في الجدار الغربي وهو مصنوع من الحجر الجيري بملاط من الجبس تم تشطيبه بالجير والجص، وأما سقف المبنى فهو مصنوع من خشب المنغروف، وفي البناء استخدمت أعمدة وعوارض منحوتة من خشب الساج، ويبدو أن البئر الواقعة في شمال غرب المسجد كانت تستخدم للوضوء.
وتم ترميم المسجد عدة مرات، أولاها في عام 1927 وتبعها ترميم شامل على يد حكومة البحرين، أنجزت في عام 1950، وكما نفّذت عمليات ترميم أخرى في عام 1976، وكان آخرها تلك التي نُفذت قبل بناء مركز الزوار هذا في عامي 2014 و2015، ويعد المسجد اليوم رمزا للتاريخ الإسلامي الفني في مملكة البحرين، وتتجسّد مكانته الرفيعة عندما استعملت صوره على الطوابع الرسمية والميداليات والأوراق النقدية والبطاقات البريدية والمنتجات السياحية، وعلى بعض الصناعات المحلية، ومركز زوار المسجد
.مياه «البلاد القديم
وحدثنا عن مصادر المياه الطبيعية العذبة التي بلغت حوالي ثلاثين عيناً، أهمها: عينا قصارى الكبيرة والصغيرة، اللتان عُرفتا بعين «الدوبية»، لأن الهنود كانوا يغسلون ملابسهم، و«الدوبي» كلمة هندية، تعني غسل الملابس وكيّها، مهنة للهنود فقط، وكل من يغسل الملابس يسمى (دوبي). وقال أبو بدر: من العيون العذبة عين جمالية، وأبو زيدان المشهورة بالقرب من مسجد الخميس، وما زالت مسقفة ومحاطة للصيانة، وعين العالي والدحقانية، ولكثرة العيون في «البلاد القديم» أصبحت أرض نخيل وبساتين، وحتى ثمرها قال أحد الشعراء:
: أن التمر أكله في ليل البرد لطيف وخصوصاً الأكل بالأكل إذ للهضم خفيف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق