السبت، 26 أكتوبر 2019

من أروع كتب القانون "التطورات العامة للقانون الخاص منذ مجموعة نابليون "

"التطورات العامة للقانون الخاص منذ مجموعة نابليون "
الجزءالأول
هذا الكتاب، في نظري، من أهم الكتب التي يلزم على كل من له علاقة بالقانون أنْ يكونَ مطلعًا عليه، ومدركًا لفكرته الرئيسية، وعارفًا بقدر ومكانة كاتبه. بل، أدعي أنّه ضروري جدًا للباحث في السياسة والفلسفة والفكر. طُبع الكتاب أول مرة عام 1943م، وهذه الطبعة عن مركز نهوض عام 2018. والكتاب في أصله عبارة عن ست محاضرات ألقاها العلامة القانوني الفيلسوف العميد "ليون ديجي" في أحد كليات القانون بدولة الأرجنتين في بداية القرن العشرين.
أما ما يميز هذه الطبعة الصادرة عن نهوض، هو الدراسة والتحليل للكتاب والفكرة والكاتب من قبل أحد أبرز علماء القانون في الوقت الحالي وهو الأستاذ الدكتور سمير تناغو، الذي أضاف مادة علمية قانونية فلسفية نقدية تتناسب مع عظمة هذا الكتاب، وأهمية فكرته.
إضافة إلى الدراسة والتحليل للفكرة من الدكتور سمير تناغو، وللمادة الأصلية للكتاب للمؤلف العميد ديجي، وتقريظ العلامة محمد كامل مرسي، رئيس مجلس الدولة وعميد الحقوق ورئيس جامعة القاهرة؛ فإنَّ أبرز ما يميز هذا الكتاب هو المترجم، الذي لا يقل خبرة في المجال القانوني والفلسفي عن الأسماء البارزة التي تناولت هذا الكتاب بالتحليل والتقريظ والتقديم. مترجم هذه المادة قام بعمل مقدمة تعريفية بالفلسفة الوضعية وبفكر العميد ديجي، وبيان فضله وأهمية فكره على التاريخ القانوني في القرن الماضي، والذي وصفه بأنَّه عميد الفكر القانوني الحديث.
يقدم الدكتور سمير تناغو دراسة تحليلية هامة عن فكرة الكتاب تحت مبحثين: عن الأحادية والثنائية "الحق والقانون"، ثم مبحث عن العلاقة بين القانون والدولة، ويحاول الدكتور تناغو من خلالها تقديم دراسة نقدية لتصور العميد ديجي عن مفهوم الحق، ومفهوم القانون، سلطان الإدارة، وفكرة الملكية. ورغم اعتراض تناغو على تصورات العميد ديجي القانونية عن المفاهيم السابقة، إلا أنَّه يرى بضرورة اطلاع الباحثين على فكر ديجي مستشهدًا برأي الفقيه الفرنسي فرانسوا جني صديق العميد ديجي الذي قال: إنَّ نظريات العميد ديجي الثورية يجب أن تؤخذ مأخذ الجد، فربما نكون بصدد ثورة علمية قانونية تشبه الثورة العلمية الحادثة في الفيزياء وعلوم الطبيعة. وإن دل هذا الكلام، فإنّما يؤكد قلق وتوتر المخالفين للعميد ديجي من أفكارهم، وعدم ثقتهم في اعتراضاتهم على أفكار ديجي الثورية بحق تطور القانون الخاص.
أما عن العميد ليون ديجي مؤلف الكتاب فهو فقيه مفكر وفيلسوف فرنسي، عمل أستاذاً للقانون وعميدًا لكلية القانون في فرنسا، وشغل منصب عمادة كلية الحقوق بجامعة القاهرة في عشرينيات القرن الماضي. وديجي لا يؤمن بالقانون الطبيعي أو فلسفة ما وراء الطبيعة، ويؤمن فقط بالفلسفة الوضعية الواقعية والتي كان لها صدى واسع في فكره القانوني. وكان أهم أثر لهذا الصدى، هو عدم إيمانه بفكرة الحق، فلا يوجد شيء اسمه الحق في التملك، ولكن هي مجرد قواعد قانونية ووظيفة اجتماعية يحميها القانون بقواعده الوضعية، ويعطي الفرصة لمن هو قائم عليها بالتصرف فيها وفق المصلحة العامة للمجتمع. الأمر الثاني، اعتقاده بأنَّ مصدر القانون هو التضامن والشعور المجتمعي. بمعنى أنَّ ما يخلق القاعدة القانونية هو شعور المجتمع بعد فترة من الممارسة أنَّه بحاجة إلى حفظ أمر معين، أو حماية أمر ما، أو منع حاجة ما. وليست إرادة الدولة هي المنشأة للقانون.
ولتأكيد فكرته الوضعية عن فكرة الحق والملكية والقانون، قام العميد ديجي بإلقاء ست محاضرات حول التطورات العامة للقانون الخاص منذ مجموعة نابليون، وفيها يهدم الفكرة الرئيسية التي قامت عليها مجموعة نابليون والقوانين الخاصة، وهي فكرة الفردية، التي يعاديها ديجي في فلسفته وتصوراته القانونية. ويدعي ديجي من خلال محاضراته أن القانون آخذ في التحول من الفكرة السائدة حوله إلى الفكرة التي يقتنع بها فيما يخص الحق والملكية وإرادة الدولة ومفهوم العقد، وأنَّ كثيرًا مما توقعه خلال السنوات الماضية على إلقاء هذه المحاضرات قد بدأ في التحقق بالفعل.
فعلى سبيل المثل، ألزمت الدولة أفرادها بزراعة محصول معين وقت الحرب، وألزم القانون، ومعه القضاء الأفراد بالتنازل عن ملكياتهم للنفع العام، والمصلحة العامة، وألزم صاحب الحق أن يتصرف فيه وفقًا لغرضه الأصلي وعد تسبيب الضرر للغير، واخترع فكرة عقود الإذعان وغيرها من العقود التي يظهر فيها طرف بمظهر القوة والمتحكم في العقد والطرف الثاني مُتحكَم فيه ولا يملك زمام إرادته لتغيير بند من بنود العقد، بل الطرف الثاني يغير كما يريد والطرف الضعيف لا يملك حق الاعتراض فيما يعرف بعقود الإذعان. ينتقل ديجي من قانون إلى قانون، ومن دولة إلى دولة داخل الإطار الأوروبي الذي تتغنى دائمًا بفكرة الحقوق الفردية ودعم الملكية، بل وتقديسها، إلا أنَّ الممارسات القضائية والقانونية كانت غير ذلك. فأكّد من خلال قواعد قانونية وأحكام قضائية صادرة عن محاكم فرنسية وألمانية، أنَّ الملكية ما هي إلا وظيفة اجتماعية محفوظة لمن بتصرف فيها باسم القانون وفقط، وليست حق خالص لمن يتمتع بها، فالقاعدة القانونية وحدها سيدة الموقف؛ هي من تقول له تملكها بهذه الطريقة، واستخدمها على هذا النحو، والآن حان لك أن تتركها لأن المجتمع أصبح في حاجة إليها.
المحاضرة الأولى للكتاب عن فكرة الحق الذاتي والوظيفة الاجتماعية، وفيها يهاجم الأساس الفردي الذي قامت عليه مجموعة نابليون وإعلان حقوق الإنسان وغيرها من الاتفاقيات الأم المؤسسة، ويرى أنها تجاهلت الحق المجتمعي والمبدأ الاشتراكي (ديجي أعلن غير مرة عدم انتسابه إلى أي حزب أو توجه؛ اشتراكي أو غيره). ويؤكد على أن هذه القوانين القائمة على أساس فردي تتلاشى وتهلك نفسها لتفسح الطريق أمام نظريات جديدة تراعي المجتمع والمصلحة العامة. وبالطبع، ينتقد فكرة الحقوق الطبيعية، وأفكار ما وراء الطبيعة التي كان لها أثر في نشأة الحقوق الفردية ومجموعة نابليون ووثيقة حقوق الإنسان 1789، ليؤكد على أنَّ الارتكاز على الواقعية والشعور والتضامن المجتمعي هو ما يجب أن يكون دافع القاعدة القانونية.
مراجعة جابر محمد
يتبع.
" الكتاب متوافر في اي فروع من فروع الشبكة العربيه للابحاث وفرعها في القاهره في شارع عبد الخالق ثروت وفرعها في الاسكندريه في شارع عبد السلام عارف
والكتاب قيمه علمية كبيرة ."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق