الجمعة، 14 فبراير 2020

حكاية رائعة في الاخلاص

في سنة 2005 اشتغلت في مدرسة ثانوية بنات .... كانت مدرسة ضخمة جدا والعمل فيها صعب وفريق العمل في المدرسة كان ضخم جدا والطبيعي ان كلما بيزيد فريق العمل كلما بتزداد صعوبات الإدارة. بالرغم من ذلك كان الوقت القصير اللي قضيته في المدرسة دي من أمتع أوقات حياتي.... ليه ؟
مدير المدرسة كان غريب جدا... كنا نروح المدرسة نلاقيه في المدرسة من بدري .. العمال بيكنسوا الفصول ويغسلوا الأرضيات وهو واقف في أوضة صغيرة تحت السلم بيعمل شاي و ياخده يلف به علي العمال وهم بيشتغلوا وممكن أثناء ما العامل بيشرب الشاي بتاعه تلاقي المدير ده ميل يلم ورقتين من الأرض أو يرجع تختتين مكانهم.. المهم انه مايقفش ساكت... أثناء الطابور عمره مازعق في طالبة مثلا عشان لابسة لبس مخالف لزي المدرسة... كان يميل بشويش علي البنات في الطابور ويقول لهم مثلا ان لبسهم اللي جايين به واللي هو مخالف لزي المدرسة شيك جدا ومخليهم قمرات بس مكانه مش المدرسة.. عشان كده البنات كان بيخافوا يزعلوه و غالبا بيلتزموا الي حد كبير بالزي.. دايما كان بيكون في جيبه نوع من " الكراملة " كان اسمها ملوكي.. في الحصة الأولي وهو بيلف علي الفصول يوقع علي دفاتر المعلمين يمد ايده في جيبه ويطلع واحدة ويحطها في ايد المعلم.. كانت حركة " طيبة وحنان " برغم انها حاجة بسيطة... واذكر مرة دخل لي الفصل وماكنتش مسجل الحصة في دفتر التحضير.. بهدوء لقيته بيقول لي " طيب كمل شرح انت وشاور لي بس علي الدرس في الكتاب وانا هاقلد تحضيرك من الدرس اللي قبله " وقعد فعلا يكتب لي التحضير...اما كان زميل يغيب ويعرف انه عيان كان بيخرج من المدرسة ومعاه اتنين تلاتة وقبل مايروح يقصد بيت الزميل المريض حتي لو كان من اخر الدنيا...في الحصص الفاضية كان يدخل يتكلم مع البنات عن الأخلاق وان البنت مهمة جدا في المجتمع و يقول لهم ان التعليم طوق نجاة ... عمره مانادي علي حد في المدرسة غير بالاستاذ الكريم فلان .. مثلا.. الاستاذ الكريم هيثم عندك حصة دلوقت.. الأستاذة الكريمة وفاء عندك حصة احتياطي...
اما كان يلاحظ ان حد مقصر .. كان بيعمل اتنين شاي ويروح يتكلم معاه ان مرتبات التربية والتعليم ضعيفة وماتتحملش انها يتخصم منها جزاءات وكلام فاضي.. فالناس اللي كانوا شغالين أغلبهم كانوا بيتكسفوا يقصروا واللي كان مغرم بلطجة في الشغل طلب نقله مكان تاني حياء منه وانهم مش عارفين يلتزموا وذوقه بيموتهم..
الوقت اللي اشتغلت فيه في المدرسة دي كنت باشتغل بعقد بقيمة 105 جنيهات.. أيوه زي ماقريت كان العقد بتاعي في التربية والتعليم 105 وكنت باركب مواصلات بجنيه رايح وجنيه راجع واشتري ساندوتشين / تلاتة بجنيه ونص.. يعني نص المرتب تقريبا كان مواصلات وأكل...عشان كده بعد اسبوع من استلامي الشغل لقيت المدير باعت لي علي المكتب وقعدنا لوحدنا وقالي بص ياابني انا لو بايدي هااديلك مرتب أعلي بدل الكلام الفاضي ده بس دي حكمة ربنا وقدرك.. كل اللي أقدر أعملهولك اني عايزك في المدرسة 3 أيام في الأسبوع بس.. عشان توفر مصاريف يومين وانا هاتحمل المسؤلية... وعرفت بعدها انه بنفسه هو اللي كان بيدخل حصصي ويتكلم مع البنات أو يخليهم يذاكروا في الحصة اخر درس شرحته...
عرف في مرة اني كنت باكتب شعر فكان يجيلي اي مكان اكون قاعد فيه لوحدي ويطلع لي واحدة " ملوكي " ويقول لي ماتقول حاجة يامولانا وكنت اضحك اما أقول حاجة عن الحب وألاقيه مركز جدا ويقول لي بهدوووء وهو بيضحك اوعي تقول الحاجات دي للبنات في الحصص .. نروح في داهية جماعة.. بس كان يقول لي خليك كده وافضل اكتب شعر واقرا كتب دي حاجة نضيفة بتنضف الروح من قرف الحياة
كان بيسمي العمال في المدرسة " أسيادنا " ..سيدنا عبداللطيف و سيدنا صبري والعاملة كان بيقول لها " عمتنا سعاد "
انا قعدت في المدرسة دي حوالي 5 شهور وسيبتها بعدها عشان قالوا انه ماينفعش متعاقد صغير جديد يروح مدرسة ثانوية وان الجواب بتاعي طلع غلط وحد شك انه كان لي وساطة أو دفعت رشوة لحد ... مدير المدرسة عمل مشكلة بسبب لي وماكنش عايز يوقع لي علي اخلاء الطرف لكن الوضع كان أقوي ومشيت...
اما مشيت ماكنتش قبضت فلوسي - كانوا بيقبضونا كل خمس او ست شهور مع بعض - وطلبت نقلي لادارة تانية وبدأت رحلة جديدة مع ناس جديدة وتقريبا كنت نسيت ان لي فلوس في الادارة القديمة وحاجة اسمها مكافأة امتحانات... بعد فترة وفي ليلة لقيت عيل من البلد جاي لي يقول لي في حد بيسأل علي.. خرجت لقيته هو.. جايب لي فلوسي اللي نسيتها تقريبا وبيقولي ان الفلوس دي لو دخلت أمانات هتاخد موال اما تخرج تاني وعرفت انه بعلاقاته قدر يسلك لي الفلوس دي من روتين التوقيعات وغيره
فات تقريبا 15 سنة علي القصة دي .... وفي يناير اللي فات قابلت ابن المدير ده مصادفة في مكتب بريد المدينة اللي كانت فيها المدرسة.. كنت معدي وقلت اصرف حوالة من فترة مش لاقي وقت أصرفها...
الولد عرفني وقال لي انه شافني في اعلان بنادول وفكرني بنفسه اما كان بييجي ياخد والده علي الموتوسيكل بتاعهم نهاية اليوم الدراسي وكان في ثانوي وقتها وقصدني والده اني اشرح له كام موضوع grammar ... كان جاي البوستة يقبض معاش والده ...
والده اللي عرفت انه بعد ماطلع معاش ابنه اللي في السعودية أخده يعمل عمرة وحج فرفض انه يرجع من هناك وفضل ملتزم بالصلوات في المسجد النبوي لحد اما مات وتم دفنه هناك علي حسب وصيته
قلت للولد اني هاكتب عن كل الخير اللي والده كان بيعمله... قال لي لو كان عايش ماكنش هيقبل و في الواقع انا اعرف ده كويس .. كان بيتضايق جدا من الاطراءات والثناءات وكان بيقول انه بيعامل ربنا و ربنا واصل له كل شيء ....
لكن انا بصراحة مصر اني اكتب عن الراجل ده.. وكتبت هنا بنية ان توصله دعوة من قلب صافي وان كنا غالبا اننا احنا اللي محتاجين دعوات
واحتراما لوعدي لابنه هاكتفي باسمه الأول فقط.. ومحدش يستغرب اما أقول انه الراجل ده اسمه " صالح " لان بصراحة ماكنش ينفع معاه اسم غير كده وعارف ان في ناس كتير هتعرفه علي الصفحة هنا...
وسواء بقه اللي يعرفه أو مايعرفوش أرجوكم أرسلوا للصالح دعاءكم ولو بينكم وبين أنفسكم
وخلينا نفتكر الصالحين يمكن ربنا يكرمنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق