الجرائمُ غيرُ المَقصودةِ هي الجرائمُ التي لا يتوفَّرُ فيها القَصدُ الجُرمِيُّ سواءً كان مُباشراً أم احتماليَّاً، إنَّما يَتمَثِّلُ ركنُها المعنويُّ بخطأٍ يُسنَدُ إلى الفاعلِ، وقد حدَّدَ المُشرِّعُ السوريُّ مصادِرَ الخطأِ بثلاثةِ مصادرٍ نصَّتْ عليها جميعاً المادةُ/189/ من قانون العقوباتِ السوريِّ على النحوِ الآتي:
(يكونُ الخطأُ إذا نجَمَ الفِعلُ الضارُّ عن الإهمالِ أو قِلَّةِ الاحترازِ أو عدَمِ مُراعاةِ الشرائعِ والأنظمةِ).
أمَّا المُشرِّعُ العراقيُّ فقد حدَّدَ مصادرَ الخطأ بخمسةِ مَصادرٍ نصَّتْ عليها جميعاً المادةُ/35/ من قانون العقوباتِ العراقيِّ على النحو الآتي:
(تكونُ الجريمةُ غيرَ عَمدِيَّةٍ إذا وقعتِ النتيجةُ الإجرامِيَّةُ بسبب خطأ الفاعلِ سواءً كان هذا الخطأُ إهمالاً أو رُعونَةً أو عدمَ انتباهٍ أو عدمَ احتياطٍ أو عدمَ مُراعاةِ القوانينِ والأنظمةِ والأوامرِ).
ونحنُ إذا رَجَعنا إلى مُختلَفِ الجرائمِ غيرِ المَقصودَةِ التي نصَّ عليها التشريعانِ السوريُّ والعراقيُّ نجِدُ أنَّ هذين التشريعَين يُقرِّران المسؤوليَّةَ عن الجرائم غيرِ المَقصودةِ؛ لأنَّهُ يترتَّبُ عليها وقوعُ نتيجةٍ ضارَّةٍ أمَّا إذا كان الخطأُ لا تترتَّبُ عليه أيَّةُ نتيجةٍ ضارَّةٍ سواءً كانتِ النتيجةُ ماديَّةً أم معنويَّةً فلا مسؤوليَّةَ على مُرتكِبِ هذا الخطأ؛ لأنَّ القاعدةَ العامَّةَ هي أنَّ الخطأَ في ذاتِهِ لا يُعَدُّ فِعلاً مُخالِفاً للقانونِ ويُؤيِّدُ هذا النظَرَ ما أفادَنا به ثُلَّةٌ من الفقهاء هم:
1-العلَّامةُ الدكتور محمد الفاضل عميدُ كُلِيَّةِ الحقوق في جامعة دمشق سابقاً فقد قال ما يلي:
{إذا لم يَنجُمْ عن الفِعلِ الخاطئِ أيُّ ضررٍ فلا تقَعُ على عاتقِ الفاعلِ أيَّةُ مسؤولِيَّةٍ جزائيَّةٍ مِن جَرَّاءِ خطَئِهِ مهما كان إهمالُهُ أو قِلَّةُ احترازِهِ واضِحاً وجَسيماً، والسببُ في ذلك أنَّ حُصولَ النتيجةِ الجُرمِيَّةِ شرطٌ لابُدَّ منهُ ولا غِنَى عنهُ لقِيامِ الجريمةِ وفَرضِ العِقابِ في جميعِ الجرائمِ غيرِ المَقصودَةِ، أمَّا في الجرائمِ المَقصودَةِ فإذا حصلَتِ النتيجةُ الجُرمِيَّةُ عُوقِبَ الفاعلُ بعُقوبةِ الجريمةِ التامَّةِ وإذا لم تَحصُلْ رُغمَ البَدءِ بالتنفيذ لأسبابٍ مُستَقِلَّةٍ عن إرادةِ الفاعلِ عُوقِبَ بعقوبةِ الجريمةِ المَوقوفَةِ أو الخائبةِ حَسبَما يكونُ الشروعُ بسيطاً أو تامَّاً، وليس الأمرُ كذلك في الجرائمِ غيرِ المَقصودَةِ فهي إمَّا أنْ تقعَ تامَّةً وإمَّا أنْ لا تَقع}.
2-العلَّامةُ الدكتور محمود نجيب حسني رئيسُ جامعةِ القاهرةِ سابقاً فقد قال ما يلي:
{الخطأُ في الجريمةِ غيرِ العَمدِيَّةِ هو رُكنُها المَعنويُّ أمَّا رُكنُها الماديُّ فيتطَلَّبُ فِعلاً إيجابيَّاً كان أو امتناعاً ونتيجةً إجرامِيَّةً وعلاقةً سبَبِيَّةً تَربِطُ بينَهُما، ولهذين العُنصُرَين أهمِيَّةٌ واضحةٌ: إذ لا تقومُ الجريمةُ غيرُ العَمدِيَّةِ دونَ نتيجةٍ إجرامِيَّةٍ، فالخطأُ مهما كانت جسامَتُهُ لا يَكفي مُجرَّداً عن نتيجةٍ لقِيامِ المسؤوليَّةِ الجنائيَّةِ ولا شُروعَ في الجرائمِ غيرِ العَمدِيَّةِ}.
3-العلَّامةُ الدكتور عباس الحسني عضو الجَمعيَّةِ الدوليَّةِ للقانون الجِنائيِّ في باريس فقد قال ما يلي:
{القاعدةُ العامَّةُ هي أنَّ الأفعالَ التي تقعُ خطأً لا تكونُ جريمةً إلا إذا جَعلَها القانونُ كذلك لِمَا تُحدِثُهُ من ضرَرٍ جَسيمٍ لا يَصِحُّ السُكوتُ عليه أو لِمَنعِ ما قد يَنشأ عنها من نتائجٍ مُؤذِيَةٍ. فالحالاتُ التي تترتَّبُ عليها المسؤولِيَّةُ عن الفِعلِ غيرِ المَقصودِ أو الخطأ إذن تتكَوَّنُ من الجرائمِ التي جَعلَ القانونُ من الضرَرِ الناجِمِ عنها السببَ الذي يُبَرِّرُ هذه المَسؤولِيَّةَ، فإذا لم يُوجَدْ فلا جريمةَ مهما يكنِ التقصيرُ المُسنَدُ للفاعِلِ}.
وتُستَثنَى مِمَّا تقدَّمَ الجرائمُ التي تَتمثَّلُ بعدمِ مُراعاةِ الشرائعِ والأنظمةِ أيْ مُخالفَةِ ما تُوجِبُهُ أحكامُ القوانينِ المُختَلِفَةِ أو ما تُلزِمُ به الأنظِمَةُ الصادِرةُ مِن الجهاتِ الإداريَّةِ المُختَصَّةِ وِفقَ القانونِ في أيِّ شأنٍ مِن شؤونِ الصِحَّةِ أو الأمنِ أو تنظيمِ المِهن أو الصِناعاتِ وما ماثلَ ذلك، فهذه جرائمٌ غيرُ مَقصودَةٍ استناداً إلى المادةِ/189/ من قانون العقوباتِ السوريِّ والمادةِ/35/ من قانونِ العقوباتِ العِراقيِّ وتترتَّبُ عليها المسؤوليَّةُ الجزائيَّةُ ولو لم تَنجُمْ عنها أيَّةُ نتيجةٍ ضارَّةٍ؛ لأنَّ المُشرِّعَينِ السوريَّ والعراقيَّ يُعاقِبانِ عليها كاحتياطٍ تُوجِبُهُ مَصلحةُ المُجتمعِ خَشيَةَ حُدوثِ ضررٍ مِن تَكرُّرِ الفِعلِ أو الامتناعِ عنهُ أو مِن تَطوُّرِ الفِعلِ بالعواملِ المُختَلِفَةِ ويُؤيِّدُ هذا النظَرَ ما أفادَنا به ثُلَّةٌ من الفقهاء هم:
2
910
Safaa Yousif
07:01 PM
Forwarded message
الرافد العراقي للمصادر القانونية
ج2:
1-العلَّامةُ الدكتور عبد الوهَّاب حومد أستاذُ القانونِ الجزائيِّ في جامعةِ دمشق سابقاً فقد قال ما يلي:
{إنَّ عدمَ مُراعاةِ الشرائعِ والأنظِمَةِ يُرَتِّبُ على الفاعلِ مسؤوليَّةً جزائيَّةً دونَ حاجةٍ إلى ارتكابِ أيِّ خطأٍ مِن أخطاءِ الإهمالِ وقِلَّةِ الاحتِرازِ، ولذلك يُعاقَبُ بمُجرَّدِ ارتكابِ المُخالفةِ ولو لم تُلحِقْ ضرراً بأحدٍ؛ لأنَّ هذا الضررَ يكونُ عادةً مُضِرَّاً بالمُجتمعِ ومُحتَمَلَ الضررِ بالناس}.
2-العلَّامةُ الدكتور عباس الحسني عضو الجَمعيَّةِ الدولِيَّةِ للقانونِ الجِنائيِّ في باريس فقد قال ما يلي:
{في حالةِ (عدمِ مُراعاةِ القوانينِ والأنظمةِ والأوامرِ) فإنَّ الفاعلَ يُعاقَبُ بمُجرَّدِ ارتكابهِ الفِعلَ المُخالِفَ لهذه القوانينِ والأنظمةِ ولو لم يَقتَرِنْ ذلك بأيِّ ضرَرٍ}.
ومِن أشهرِ الجرائمِ غيرِ المقصودةِ التي لا تَنجُمُ عنها نتيجةٌ ضارَّةٌ نذكُرُ على سبيلِ المثالِ: (جرائمُ المرورِ) فمُجرَّدُ قيادةِ سيَّارَةٍ بدونِ نورٍ إذا ابتدأ الليلُ بالهُبوطِ تُعتَبَرُ جريمةً مُعاقَباً عليها ولا يَتوقَّفُ ذلك على حدوثِ أيَّةِ نتيجةٍ ضارَّةٍ كما أنَّهُ لا أهميَّةَ لكَونِ السائقِ قد قصدَ السيرَ مُطفِئاً الأنوارَ أم أنَّهُ لم يَنتبِهْ إلى ذلك فهو مسؤولٌ عن مُخالفةِ القانونِ ويَستحِقُ العِقابَ حينئذٍ.
*******
(المراجِعُ):
1-موجَزُ القانونِ الجزائيِّ للدكتور عدنان الخطيب-الكتابُ الأوَّلُ-مطبعةُ جامعة دمشق-طبعةُ/1963/-الفقرات/122 ؛ 125 ؛ 131/-الصفحاتُ/214 ؛ 217 ؛ 227 ؛ 228/.
2-قانونُ العقوباتِ: القِسمُ العامُّ للدكتور محمد زكي أبو عامر-مُنشأةُ المعارفِ في الاسكندريَّةِ-طبعةُ/1993/-الفقرة/109/-الصفحةُ/279/.
3-الجرائمُ الواقعةُ على الأشخاص للدكتور محمد الفاضل-مطبعةُ جامعةِ دمشق-الطبعةُ الثانيةُ/1962/-الصفحتان/201 ؛ 202/.
4-شرحُ قانونِ العقوباتِ: القِسمُ العامُ (النظريَّةُ العامَّةُ للجريمةِ) للدكتور محمود نجيب حسني-دارُ النهضةِ العربيَّةِ في القاهرة-طبعةُ/1962/-الفقرة/789/-الصفحتان/796 ؛ 797/.
5-المُفصَّلُ في شرح قانونِ العقوباتِ: القِسمُ العامُّ للدكتور عبد الوهَّاب حومد-المطبعةُ الجديدةُ في دمشق-طبعةُ/1990/-الصفحةُ/285/.
6-شرحُ قانونِ العقوباتِ العراقيِّ الجديدِ للدكتور عبَّاس الحسني-المُجلَّدُ الأوَّلُ: القِسمُ العامُّ-مطبعةُ الأزهرِ في بغداد-طبعةُ /1970-1969/-الصفحتان/98 ؛ 99/.
*******
بقلم المحامي الأستاذ تاج الدين حسن-نقابة المحامين في الجمهوريَّةِ العربيَّةِ السوريَّةِ-فرع دمشق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق