السبت، 23 مايو 2020

الجنسية في الشريعة الإسلامية

الجنسية في الشريعة الإسلامية
منقول " 
قامت دولة الإسلام وقد استكملت أركانها وشروطها، وكان لها شعبها المتميز، كما كان لها نظامها ودستورها المتفرد . ولذلك كان لا بد لها من أن تضع أسساً واضحة تبني عليها العلاقة القانونية والسياسية بينها وبين مواطنيها، وتوضح الفوارق بين المواطنين والأجانب الغرباء حتى يتحدد تَحَمُّل المسؤوليات والواجبات والتمتع بالحقوق والامتيازات . وإذا كان معظم كُتَّاب القانون أشاروا إلى أن ظهور الجنسية قد بدأ في أواخر القرن الثامن عشر مع ظهور مبدأ القوميات في أوروبا، مع أن الجنسية كعلاقة بين الفرد والدولة قديمة قدم الدولة، بغض النظر عن أنظمتها وأسس منحها وفقدها في العصور الماضية، إلا أن صياغة الجنسية بمبادئها وأسسها الدولية الحديثة هي إفراز عصري حديث، فما هو يا ترى شأن هذه العلاقة في الشريعة الإسلامية؟
يتصدى الدكتور رحيِّل غرايبة للبحث في هذا الميدان الذي يخلو من الدراسات الوافية والأبحاث المتخصصة، بحثاً يستقصي جزئياته وأطرافه، ويجلِّي معالم نظرية الإسلام في هذا الشأن، محاولاً صياغة أُسس منح الجنسية وأُسس فقدها في الشريعة الإسلامية، وتبيِّن آثارها .
يبدأ كتابه الجنسية في الشريعة الإسلامية الذي نشرته الشبكة العربية للأبحاث والنشر في بيروت، في 216 صفحة من القطع الكبير، مُستنداً إلى نصوص الشريعة ومبادئها العامة وخطوطها العريضة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه والخلفاء المسلمين، ومعتمداً على المراجع الفقهية القديمة، وكتب التفسير والحديث، وأسفار التاريخ والسِّير، وكتب القانون .
تعريف الجنسية
يقدم المؤلف تعريفاً للجنسية، لغوياً وقانونياً، في مقدمته . ونعرف أن الجنسية من الجنس، وهو الضرب من كل شيء، وهو من الناس ومن الطير . والجنس أعم من النوع . ومنه المجانسة والتجنيس، ويقال: هذا يجانسه أي يشاكله . والحيوان أجناس، فالناس جنس، والإبل جنس .
ولكن ليس هناك علاقة بين التعريف اللغوي والتعريف القانوني على الرغم من التشابه في الاشتقاق اللغوي، إذ لا علاقة بين الجنسية والجنس . ويختلف فقهاء القانون في تعريف الجنسية اختلافاً كبيراً بسبب فهمها وتفسيرها بطرق مختلفة .
ويسعى المؤلف إلى الوصول إلى تعريف ملائم عبر عرض العديد من التعريفات يبدؤها بتقديم تعريف عام: الجنسية هي الرابطة التي تربط شخصاً بدولة وهو ليس جامعاً مانعاً، فهو لم يتعرض لماهية هذه الرابطة، وصفتها، ونوعها .
ويورد تعريف فقيه قانوني أن الجنسية هي الرابطة العقدية التي تربط الدولة بكل فرد من أفرادها بينما آخر يقول إن الجنسية هي الرابطة السياسية والحقوقية بين شخص ودولة . وتعرَّفها اتفاقية جامعة هارفارد، فتقول الجنسية حالة الشخص الطبيعي الذي يلحق بدولة عن طريق رابطة الولاء .
قانون دولي خاص
وهكذا . . إلى أن يجد الباحث نفسه ميالاً إلى التعريف القائل إن الجنسية رابطة سياسية وقانونية بين الشخص ودولة، ينتج عنها حقوق والتزامات معينه متبادلة، ثم هو يفرق بين الجنسية وغيرها من المصطلحات كالقومية والجنس، ويتحدث عن أركانها ونشأتها وتطورها، وموضع قانون الجنسية من فروع القانون، ليصل إلى أن الجنسية في الشريعة الإسلامية قانون دولي خاص يخضع لمبادئ الشريعة، وللفقهاء الاجتهاد في صياغة الأطر الداخلية لتنظيم الجنسية بحيث تضمن المصلحة العامة للمسلمين من دون تعارض مع النصوص الثابتة .
وهنا يدخل د . غرايبة إلى القسم الأول من الكتاب، وهو تحت عنوان منح الجنسية واكتسابها في الشريعة الإسلامية ويجيء في خمسة فصول هي:الجنسية التأسيسية، والجنسية المكتسبة الطارئة، والجنسية الأصلية، ومنح الجنسية للأشخاص الاعتبارية، والسجلات والوثائق الرسمية التي تثبت كسب الجنسية في ظل الدولة الإسلامية . وفي القسم الثاني بعنوان آثار الجنسية في الشريعة الإسلامية فصلان، أحدهما عن الحقوق (سياسية، دينية، اجتماعية واقتصادية ومدنية وحريات عامة)، والثاني عن الواجبات بالنسبة إلى المسلمين وإلى أهل الذمة؛ وهي واجب الخضوع لقوانين الدولة وأنظمتها، والواجبات المالية (الزكاة والجزية)، والواجبات العسكرية والدفاع عن أرض الدولة، واشتراك غير المسلمين في واجب الدفاع عن دولة الإسلام . ونصل إلى القسم الثالث والأخير وهو زوال الجنسية في الشريعة الإسلامية واستردادها، فنقرأ عن زوال الجنسية بالتغيير، وزوال الجنسية بالتجريد، وزوال الجنسية بالتعدد، كما ذكر في الفصل الثامن، ويليه التاسع الذي يتحدث عن استرداد الجنسية .
نتائج مهمة
ويتم الكتاب بخاتمة تقدم النتائج المهمة التالية:
1- إن هناك نظرية عامة متميزة للجنسية في الشريعة الإسلامية، لها أُسسها وأصولها المستقلة المستمدة من أهداف الشريعة وغاياتها .
2- إن حجر الأساس في النظرية العامة للجنسية في الشريعة الإسلامية قد وضِعَ منذ كتابة الوثيقة الدستورية الأولى، التي صاغها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى للهجرة، والتي بيَّنت الأسس والضوابط التي تُبنى عليها التبعية السياسية والقانونية للأفراد إزاء السلطة السياسية الحاكمة في دولة الإسلام الأولى، التي تتلخص في أن شعب الدولة يتكوّن من المسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم . . وغير المسلمين الذين يقيمون في إقليم الدولة وهؤلاء لهم حق التبعية لدولة الإسلام شريطة التزامهم بشروط المواطنة المنصوص عليها في الوثيقة، ويتمتعون بحرياتهم الدينية من دون تسلّط ولا إكراه .
3- إن أسس اكتساب الجنسية في الشريعة الإسلامية قامت على عاملين رئيسين هما: الإسلام والهجرة إلى أرض الدولة؛ يقول القرآن: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا، (سورة الأنفال: الآية 72)، والدخول في عقد الذمة بالنسبة لغير المسلمين، الذين يرغبون في التبعية الكاملة لدولة الإسلام .
4- إن الجنسية الأصلية في الشريعة الإسلامية تُمنح للمولودين لحظة ولادتهم بناءً على حق التبعية الإسلامية وحق التبعية الذمية لدار الإسلام .
5- إن المسلم لا يفقد جنسيته التابعة لديار الإسلام بارتكابه المعاصي أو الجرائم بل يُعاقب حسب مقررات لوائح الدولة الدستورية .
6- إن الذمي لا يفقد جنسيته التابعة لدولة الإسلام بارتكابه المعاصي أو الجرائم بل يُعاقب حسب مقررات لوائح الدولة الدستورية .
7- إن هناك آثاراً مرتبطة بالجنسية على غاية من الأهمية في مجال الحقوق والواجبات، وهذا أمر يستدعي من الباحثين المسلمين مزيداً من الاهتمام والبحث والتوضيح .
8- إن النساء والأولاد القاصرين يحتفظون بحق استرداد جنسيتهم الأولى التابعة لدولة الإسلام إذا رغبوا في ذلك عند زوال سبب فقدها .
وهكذا . . بذل المؤلف جهداً علمياً لبيان نظرية الإسلام المتميزة والمتفردة، وللوقوف على معالم التشريع الإسلامي فيما يخص العلاقة بين دولة الإسلام ومواطنيها . . من أجل الوصول إلى وضع أسس واضحة تُبنى عليها العلاقة القانونية والسياسية بين هذه لدولة ومواطنيها، بما يخدم الفقه الإسلامي والسياسة الشرعية، وخصوصاً في ميدان القانون الدولي الخاص .
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/9d77fb52-3c1a-4fed-9a45-bb5b1d48968b#sthash.XJX8UZ2L.dpuf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق