ظاهرة ازدواج الجنسية ومعالجة المشكلات المترتبة عليها
" منقول"
دكتور / شوقي عبد المجيد عبيدي، كلية القانون،
جامعة دنقلا / السودان.
مقال نشر في مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 15 ص
55.
.
تمهيد :
تعتبر
الجنسية المعيار الذي بمقتضاه يتم تحديد ركن الشعب في الدولة وتمييز الأعضاء
المكونين لها وتمييز الوطنيين عن الآجانب فيها . فالجنسية تنسب الفرد قانونا الي
جماعة الأفراد المكونين لها، فيصبح بموجبها عضوا من الجماعة. أما من الوجهة
الدولية فأنها تعتبر أداة تحدد حصة كل دولة من الافراد الذين الذين يتكون منهم
عنصر الشعب فيها .
إن ازدواج الجنسية يعني
تعددها ويطلق عليه أيضا تنازع الجنسيات الايجابي؛ وهو أن يكون للشخص أكثر من
جنسية ؛ أي أن يكون وطنيا في أكثر من دولة واحدة وهذا يتم نتيجة لتعدد الدول
وعدم وجود تنسيق شامل فيما بين تشريعاتها حول طرق اكتساب الجنسية وفقدها ، مما
يؤدي الي ظهور حالة ازدواج الجنسية وقت الميلاد أو في وقت لاحق له
.
ويطلق على ازدواج الجنسية ، تنازع الجنسيات
الايجابي، كما يوجد بينه وبين مصطلح تنازع القوانين علاقة وثيقة ، فالأسس
التي تبنى عليها قواعد الجنسية من حيث فرضها واكتسابها هي أسس مختلفة، وكل دولة
تأخذ من هذه الأسس ما يتفق وظروفها ومصالحها ، منها ما تأخذ بحق الدم ومنها ما
تأخذ بحق الإقليم وأخرى تأخذ بهما معا ، كما أن بعضها يأخذ بمبدأ التبعية العائلية
وبعضها الآخر لا يأخذ به ، إذن تظهر حالة ازدواج الجنسية نتيجة لاختلاف السياسات
التشريعية في مادة الجنسية للدول المختلفة . فلقد حاول المشرع في تشريعات معظم
الدول وفي عدة مواقف وضع النصوص الكفيلة بالقضاء أو التقليل من وجود أشخاص يتمتعون
بجنسية أخرى إلى جانب جنسية حق الدم وجنسية حق الإقليم والجنسية اللاحقة للميلاد
أو المعاصرة له.
أهمية البحث :-
تبدو أهمية الجنسية واضحة ، ولهذا فمن الضرورة بمكان مراعاة
الدقة في تنظيمها لتجنب الفوضي والاضطراب في توزيع الأفراد وما يترتب على ذلك من
صعاب ، بيد أن واقع الحال يظهر في كثير من الأحيان خلاف ذلك، بسبب استئثار كل دولة
بوضع تشريعها الخاص بجنسيتها حسب ما تقتضيه مصلحتها، دون الالتفات إلى مصالح
الأفراد أو مصالح غيرها من الدول . فإطلاق حرية الدولة في تنظيم جنسيتها واستئثار
كل دولة في اختيار الأسس المكسبة والمفقدة لجنسيتها والخاصة بشأن تجديد شعبها كما
ونوعا يفضي إلى مساوئ متعددة أهمها ظهور تنازع الجنسيات بوجهيه الايجابي والسلبي ،
ففي التنازع الإيجابي تزدوج الجنسيات في الفرد ، أما في التنازع السلبي فتنعدم
الجنسية في الشخص مما يترتب على هاتين الظاهرتين متاعب ومشاكل بالنسبة للفرد
والدولة في آن واحد .
أهداف البحث :-
أهداف
البحث هو جعل الدول ورجال الفقه تبذل الجهود الحثيثة لإيجاد السبل الناجعة
لمعالجة ظاهرة ازدواج الجنسية وانعدامها والحد من مشاكلها لمنع ظهورها أو على
الأقل تقليلها وفي ذات الوقت تلمس العلاج اللازم لما ينجم عنها من آثار
.
مشكلة البحث
:-
تتضح مشكلة البحث في
طرح سؤال رئيسي هو: ماهي أسباب انتشار ظاهرة ازدواج الجنسية ؟ وما هي السبل
اللازمة لمعالجتها بصورة عامة ؟ ومنه تبرز أسئلة فرعية عن موقف التشريع منها ؟ وهل
أقر التشريع الأخذ بفكرة ازدواج الجنسية صراحة أم ضمنيا أم أنه رفضها وعمل جاهدا
علي تفاديها ؟ وما هي الحلول وما المخرج من مأزق و مشاكل ازدواج الجنسية ؟
منهج البحث :-
اتبع الباحث المنهج التحليلي الوصفي المدعوم
بسوابق قضائية دولية في تناول ظاهرة ازدواج الجنسية وتبيان سبل معالجتها .
أسباب انتشار ظاهرة ازدواج الجنسية
نعرض لبعض حالات ازدواج الجنسية مثل ازدواج الجنسية المعاصر
للميلاد ثم ازدواج الجنسية اللاحقة للميلاد علي النحو الآتي :
ازدواج الجنسية المعاصر للميلاد :-
اختلاف صياغة
أحكام الجنسية وتنوع الأسس التي تبنى عليها الجنسية يؤديان في كثير من الأحيان إلى
تراكم أكثر من جنسية واحدة لدي شخص واحد . هناك دول تأخذ بحق الدم ؛ بمعنى أنها
تفرض جنسيتها على كل من يولد من أبنائها ، وفي المقابل دول أخرى تأخذ بحق الإقليم؛
أي تفرض جنسيتها على كل من يولد في اقليمها . هنا نجد أن اختلاف الأساس على هذا
النحو ينجم عنه أن المولود من أبناء الدولة الأولى على إقليم الدولة الأخرى تثبت
له عند ولادته جنسية الدولتين في آن واحد ، الأولى بحق الدم و الأخرى بحق الإقليم
. إذن اختلاف الأساس الذي بني عليه كسب الجنسية في الدولتين واختلاف تشريع الجنسية
فيهما كان السبب في كسب هذا المولود جنسيىة مزدوجة أو جنسية الدولتين
.
أحيانا رغم تشابه
الأسس التي تبنى عليها الجنسية نجد أن الازدواج يتوافر أيضا ، وذلك نتيجة لاختلاف
الدول في طريقة تطبيق الأسس المتشابهة ، ولنضرب مثلا بدولتين أخذتا بحق الدم دون
حق الإقليم إلا أن إحدى الدولتين أخذت به على إطلاقه فتكسب جنسيتها لكل من يولد من
أبنائها ، بينما الأخرى تقصره على المولود من الأب فعندئذ، إذا كان الزواج مختلطا
أي كانت الزوجة من جنسية الدولة الأولى والزوج من جنسية الدولة الثانية فأن هذا
يكون كافيا لازدواج جنسية أبنائهما .
ازدواج الجنسية اللاحقة للميلاد :-
في وقت لاحق للميلاد قد تزدوج الجنسيات في شخص ما ويتحقق
بعدة طرق من طرق كسب الجنسية مثل التجنس ، الزواج ، والضم ، والانفصال
.
فتجنس شخص ما بجنسية دولة دون أن يفقد جنسيته الأصلية يترتب
عنه دخوله في الجنسية الجديدة مع بقائه علي صفته الاصلية . وقد يمتد أثر هذا
التجنس ويتعداه إلى أفراد عائلته كالزوجة والأولاد،هذا إذا كان قانون الدولة
الأخرى يكسبهم جنسيتها أخذا بفكرة التبعية العائلية في التجنس
.
وبسبب
الزواج نجد أن زواج امرأة من غير جنسيتها يدخلها في جنسية زوجها في حين يحتفظ لها
قانونها بجنسيتها؛ فالزوجة في هذه الحالة ستكون ذات جنسيتين ، وهذا سبب من أسباب
ظهور الازدواج اللاحق للميلاد بسبب الزواج .
أما الضم والانفصال أيضا يتحقق به الازدواج اللاحق ، كما لو
استقطع جزء من إقليم دولة وضم إلى دولة أخرى وألحقت الدولة الضامة أهالي الإقليم
المضموم بجنسيتها، في حين احتفظت الدولة التي فصل الاقليم عن أراضيها لرعاياها
الساكنين بالاقليم المستقطع بجنسيتهم هنا يصبح أفراد هذا الإقليم ذوي ازدواج جنسية
لاحقة للميلاد ( مثل دولة جنوب السودان مع السودان ودولة إريتريا مع إثيوبيا )
.
هذه بعض صور أسباب ازدواج الجنسية والتي ترجع في ظهورها أساسا الي تنوع
أسس صياغة أحكام الجنسية واختلافها من دولة إلى أخرى .
مساوئ ازدواج الجنسية :-
ازدواج
الجنسيات يثير مشاكل اجتماعية ، دبلوماسية ، قانونية كما يثير مشاكل
أخرى في التزامات الأفراد .
فمن الناحية الاجتماعية نجد أن ازدواج الجنسية في حد
ذاته ما هو الا وضع شاذ يتعارض مع طبيعة الجنسية ووظيفتها . فمن طبيعة الجنسية
أنها تقتضي اندماج الفرد في الجماعة الوطنية للدولة التي ينتسب اليها وأن يدين لها
بالولاء والاخلاص ويدين لها بذلك دون غيرها . وهذا ما يتعذر الوفاء به في وقت واحد
اتجاه الدول التي يحمل جنسياتها . لأن هناك صعوبات مادية ومعنوية تحول دون الوفاء
بواجبات والتزامات وطنية عديدة للدول التي يحمل جنسياتها ، بل وقد يستحيل عليه
أحيانا أداؤها ، فمن غير المتصور أن يكون في مقدوره تأدية واجب خدمة العلم والدفاع
عن حياض الوطن خاصة حين يحتدم الخلاف وتتأجج الحرب بين الدول التي ينتمي إليها
وهنا يصعب تحديد انتمائه اذا كان يحسب في عداد الوطنيين ام من الأعداء . وحتي في
أوقات السلم فإن تحديد مركزه واعتباره من الوطنيين أم من الأجانب يثير مشاكل
ومصاعب بالنسبة لمباشرته للحقوق العامة كحق الانتخاب أو الترشح ومن شأن هذا
الازدواج أيضا أن يرهق مزدوج الجنسيات بالتزامات عديدة ضريبية وغيرها التي تفرضها
الدول على من يتمتع بجنسياتها .
كما
أن من شأن ازدواج الجنسية أن يثير الفوضى والاضطراب في توزيع الأفراد دوليا مما
يثير ذلك نزاعات بين الدول التي تتمسك كل منها بتبعية الشخص أو مجموعة من الأشخاص
لها سواء أكان ذلك بصدد خدمة عسكرية أو ضرائب مالية او استحقاق لتركة أو بشأن
الحماية الدبلوماسية . ايضا يتضح مساوئ ازدواج الجنسية في مسائل الميراث فمثلا اذا
توفي من يحمل أكثر من جنسية واحدة دون وارث فأن تركته تنقل الي دولته وهذا يثير
حتما الخلاف بين الدول التي ينتمي إليها بجنسياته .
أما
مساوئ ازدواج الجنسية من ناحية الحماية الدبلوماسية فالإشكالات قد تكون أشد
وأعقد. فلكل دولة الحق في شمول رعاياها بحمايتها في الخارج وتشمل الحماية
بالإضافة إلى حماية شخص المواطن، العمل على احترام حقوقه واستعادة أمواله ومنع أي
اعتداء عليه في الخارج ،وتلجأ الدولة في ذلك للوسائل الودية والمفاوضات ثم التحكيم
أو القضاء الدولي وقد تصل لسحب ممثلها الدبلوماسي وقد تعاملها بالمثل (د.زكي –
فاضل ،الدبلوماسية في النظرية والتطبيق، ص113) .
وحق الدولة في هذه الحماية يشمل الذين يحملون جنسيتها ،وهنا
يبدأ الخلاف بين الدولتين ممن يحمل أكثر من جنسية وقد يكون واضحا وعلى أشده
عندما يكون هذا الشخص من دولة وتريد الأخرى التي يتمتع بجنسيتها أيضا أن تمارس
حقها في حمايته .
ومن
شأن ازدواج الجنسية أيضا أن يثير صعوبات في مجال تحديد المركز القانوني للفرد
لتعيين الحقوق التي يكون في مقدوره أن يتمتع بها بوصفه وطنيا وتلك الحقوق التي
لايقدر علي التمتع بها لمجرد كونه أجنبيا ، ومعلوم حرمان الاجنبي من التمتع
بالحقوق السياسية ويمتنع عليه المطالبة بحق الانتخاب والترشح للمجالس النيابية
والمحلية وحق تولي الوظائف العامة كما تمنع بعض تشريعات الدول علي الأجنبي حق تملك
العقارات إلا بشروط معينة وفي حدود ضرورية . وقد تحرم دول على الأجانب من ممارسة
المهن والحرف التي يتزاحم عليها الوطنيون. ان اختلاف مركز الاجانب هذا عن الوطني
واختلاف مركز الاجانب بعضهم عن بعض يؤدي الي صعوبات في التمييز والتفريق عندما
تزدوج الجنسيات في الشخص كلما أريد تحديد مركز وتعيين ما يتمتع به من الحقوق
.
وأخيرا فأن أهم مشكلة تواجه الفقه والقضاء بالنسبة الي ازدواج
الجنسية هي مشكلة تحديد القانون الواجب تطبيقه في العلاقة القانونية المشوبة بعنصر
أجنبي . ففي حالة تنازع القوانين تعطي أكثر قوانين الدول في الاحوال الشخصية (من
أهلية وزواج وطلاق ونسب وميراث )الاختصاص الي قانون الجنسية ، أي إلى قانون الدولة
التي ينتمي الشخص إليها بجنسيته ، ومن ذلك ما قضي به المشرع السوداني في القانون
المدني بان ( الأهلية يسري عليها قانون الدولة التي ينتمي الشخص إليها بجنسيته
) تقابلها المادة 11 مدني مصري والمادة 12 سوري والمادة 18 عراقي والمادة 33 كويتي
.أما فيما يتعلق بالميراث فينص القانون المدني السوداني بأن (قضايا الميراث يسري
عليها قانون المورث وقت وفاته ) ويقابلها المادة 18 مدني مصري والمادة 47 مدني
كويتي .
فنصوص كهذه تجعل
الجنسية ضابطا لتعيين وتحديد القانون الذي يحكم العلاقة القانونية المشوبة بعنصر
أجنبي ، ولهذا يلزم في البداية معرفة جنسية الشخص المراد حكم علاقته القانونية .
واذا ما تعددت جنسياته تعددت الضوابط وتعذر اختيار قانون واحد من بين القوانين
المتنازعة لتحكم العلاقة بموجبه . ولتوضيح ذلك نضرب المثال الآتي :- إذا توفي شخص
ما في بلد ما وأريد توزيع تركته نجد أن قانون البلد الذي توفي فيه الشخص وبه ورثته
يحيل القاضي إلى قانون جنسية المتوفي لنرجع اليه في كل ما يتعلق بتعيين الورثة
ونصيب كل واحد منهم وموانع الميراث . لكن يثور التساؤل هنا عن ما هو قانون جنسية
المتوفي؟ إذا اتضح لنا أنه كان يحمل الجنسية التركية والهندية في آن واحد ؟ أنأخذ
بالجنسية التركية ونهمل الأخرى أم العكس ؟ هذه حقيقة مشكلة تلتزم العلاج ، وهو ما
سنأتي عليه حينما نقف على بحث حل المشاكل الناجمة عن الازدواج
.
تتضح لنا مما تقدم بعض المساوئ المترتبة علي ازدواج الجنسية والتي تؤدي
الى خلق مصاعب للدول وللسلطات التابعة لها وكذلك للافراد ذاتهم ولذلك بذلت ولا
زالت تبذل المحاولات لمعالجتها سواء عن طريق تبيين الوسائل القانونية أو معالجة
المشكلات المترتبة عنها كما سنتعرض عليه .
معالجة ازدواج الجنسية :-
أولا:-
محاربة ظاهرة ازدواج الجنسية :
تكون
محاربة ظاهرة ازدواج الجنسية إما بالتنسيق والتعاون بين الدول وبالوسائل الدولية
المختلفة من مؤتمرات واتفاقات وجهودعلمية عالمية ،أو بالوسائل الوطنية وذلك بما
تبذله كل دولة وبصورة منفردة في تشريعاتها الداخلية لتفادي ظاهرة ازدواج الجنسية
.
1- الوسائل الدولية :
من المتصور القول أنه في الإمكان القضاء على
ظاهرة ازدواج الجنسية باتفاق كل الدول على توحيد تشريعات الجنسية في كل تفاصيلها
أو على الأقل الاتفاق فيما بينها على بعض الأحكام التي من شأنها إزالة ازدواج
الجنسية في الحالات التي يتم الاتفاق عليها .
ولكن من الصعوبة بمكان ،بل هو ضرب من الخيال أن
تصل كافة الدول الي توحيد القوانين الوضعية الخاصة بالجنسية بحيث تتبنى جميعها
تشريعات تفصيلية واحدة لثبوت الجنسية الاصلية والمكتسبة ، وأن تأخذ جميعها بقواعد
واحدة في تغيير الجنسية وإزالتها ، لأن اتفاقا كهذا يتعارض مع حرية الدول في تبني
أحكام تتفق مع ظروفها ومصالحها المتعارضة والمتضاربة في كثير من الأحيان مع مصالح
دول أخرى (د.الحلوان – ماجد ،1973 ص107)
ومع ذلك فمن الممكن أن تتفق دول تجمع بينها وحدة
الظروف والمصالح على توحيد أسس الجنسية دون تفاصيلها ، كأن تتفق دولتان أو أكثر
على تأسيس الجنسية على حق الدم وحده أو على حق الإقليم . فالمولود من أبناء دولة
على إقليم دولة أخرى لا تثبت في الحالة هذه إلا جنسية واحدة أساسها إما حق الدم أو
حق الإقليم حسبما تقرره الاتفاقية وكذلك لو اتفقت الدول فيما بينها علي تعليق كسب
المرأة المتزوجة من أجنبي لجنسية زوجها علي فقدها لجنسيتها الأصلية . أن اتفاقات
كهذه قد تؤدي الى تفادي ازدواج الجنسية في نطاق محدود ولكنها لاتعدمها بالمرة ،(د.
مسلم – أحمد ،1996م ، ص 126 ).
والدليل علي ما ذكرناه قضية كارليه التي ظهر فيه ازدواج الجنسيتين
الفرنسية والبلجيكية رغم اتحاد أسس كسب الجنسية في هاتين الدولتين ، فقد كانت
المادة التاسعة من كل من القانونين البلجيكي والفرنسي تعتبر من يولد لأجنبي أجنبيا
وتجيز في ذات الوقت له أن يطلب الجنسية (الفرنسية أو البلجيكية ) خلال سنة من
تاريخ بلوغه سن الرشد ، كما كانت المادة العاشرة من قانوني هاتين الدولتين تأحذ
كلتاهما بحق الدم ؛أي أن المولود لأب (فرنسي بلجيكي ) ولو في الخارج يدخل في جنسية
أبيه لا جنسية الدولة التي ولد علي إقليمها .وقد ولد كارليه من أب فرنسي في بلجيكا
وهو يعتبر فرنسيا بحق الدم ولكنه اختار الجنسية البلجيكية بعد البلوغ فأصبح
بلجيكيا بالاختيار فنشأت بذلك ظاهرة ازدواج الجنسية (رياض –فؤاد عبد المنعم ،1996و
، ص 240 ) .
وهكذا يظهر أنه بالرغم من اتحاد أسس كسب الجنسية في هاتين
الدولتين فأنه من المتعذر تلافي حالات ازدواج الجنسية وبصورة تامة عن طريق توحيد
أسس الجنسية وحدها دون الاتفاق علي تفاصيلها اتفاقا تاما ، وعلي كل حال إذا كان
التنسيق بين الدول لا يقضي تماما علي ظاهرة ازدواج الجنسية ، فإن من المسلم به أن
يكون لهذا التنسيق فوائد ملموسة في اتقاء ظاهرة ازدواج الجنسية ، وللتنسيق لمحاربة
ازدواج الجنسية قامت جهود علمية بدراسات وعقدت مؤتمرات واتفاقات دولية كثيرة
.
هناك جهود علمية كثيرة أبرزت بعض المبادئ المنظمة لتنازع
الجنسيات التي يمكن أن تكون هاديا لمشرعي الدول عند تنظيم جنسياتها وكذلك يمكن أن
تسترشد بها الدول في عقد اتفاقياتها الخاصة بالجنسية . منها نجد أن معهد القانون
الدولي توصل في اجتماعه في كمبيردج عام 1895م ونادى بقاعدة ألا يكون للفرد أكثر من
جنسية واحدة وعادت لتقر في اجتماعها في ستوكهولم عام 1928م بقاعدة أنه يجب ألا
تصوغ الدولة قواعد كسب الجنسية وفقدها بحيث تؤدي إلى وجود ظاهرتي الازدواج في
الجنسية وانعدامها .
أما مدرسة الحقوق بهارفارد أقرت بأنه إذا ما تعددت الجنسيات لشخص واحد
تثبت له نهائيا جنسية الدولة التي يقيم فيها عادة في سن الثالثة والعشرين ، أو إذا
كان الشخص مقيما في دولة من غير الدول التي تتنازع جنسياتها بشأنه تثبت له جنسية
آخر دولة اتخذ فيها إقامته العادية . وهناك قاعدة جاء فيها أن تحتفظ المرأة التي
تتزوج من أجنبي بجنسيتها، إلا إذا كانت تدخل بمقتضى الزواج في جنسيته ليكون
المفهوم المخالف لهذه القاعدة تفيد أن المرأة المتزوجة من أجنبي تفقد جنسيتها متي
دخلت بمقتضي الزواج في جنسية الزوج وهذا من شأنه منع ظهور ازدواج جنسية المرأة
المتزوجة من غير جنسيتها .
كما أن هنالك اتفاقيات دولية علي المستوي الدولي الإقليمي
لتفادي حالات ازدواج الجنسية ومكافحتها والحد منها وتقليل أخطارها منها اتفاقية
لاهاي 1930م والتي أقرت أربعة
وثائق تتعلق بالجنسية ، الوثيقة الأولى عن
الاتفاق بشأن التنازع في الجنسية ، والوثيقة الثانية بروتوكول بشأن التزامات
الخدمة العسكرية في بعض حالات ازدواج الجنسية ، والوثيقة الثالثة بروتوكول خاص
بحالة من حالات انعدام الجنسية ، بينما الوثيقة الرابعة خاص بانعدام الجنسية علي
العموم . واتفاقية لاهاي هذه أقرت ضمنا بقاء حالة تنازع الجنسيات لأنها ليست إلا
نتيجة حتمية لحرية الدول في تنظيم الجنسية ، لكنها أدخلت بعض المسائل بغية الإقلال
أو معالجة أثارها ، منها القاعدة الخاصة بالأفراد الذين لهم جنسيات بالولادة ،
فقضت اتفاقية لاهاي بأن بمقدورهم التنازل عن إحداهن بموافقة الدولة التي يتخلون عن
جنسيتها ، كذلك قررت هذه الاتفاقية أن قضاء الدولة الثالثة التي لم تكن جنسيتها
إحدى الجنسيات المتعددة أن يعطي التفضيل إلى الجنسية التي يكون الفرد أكثر ارتباطا
فيها وهي التي تطابق محل إقامته ، أيضا أقرت الاتفاقية فيما يخص الخدمة العسكرية
قاعدة إلزام الشخص المتعدد الجنسيات بأداء الخدمة للدولة التي يرتبط بجنسيتها
حقيقة وفعلا(د.الهداوي ، حسن ، ازدواج الجنسية ، مطبعة الأديب ،2010م ) .
أما اتفاقية مونتفيدوعام 1933م حيث أبرمت فيها دول
أمريكا الجنوبية اتفاقا خاصا بالجنسية عالج بشكل واضح مسألة ازدواج الجنسية وخاصة
اللاحق منها للميلاد والمتولد عن التجنس والضم والانفصال ، فقضت الاتفاقية بأن
تجنس الفرد بجنسية احدي الدول المتعاقدة يترتب عليه فقد جنسيته الأصلية ، وقضت
الاتفاقية فيما يتعلق بالضم أن تحتفظ لسكان الدولة المضمومة بجنسيتهم ولا يدخلون
في جنسية الدولة الضامة إلا إذا قرروا هم صراحة تغيير جنسيتهم الأصلية ، ومثل هذا
القيد يحول حتما دون ازدواج الجنسية فيهم .
ما نود أن نوضحه أن مثل هذه الاتفاقيات الثنائية من شأنها أن
تتوصل إلى معالجة تنازع الجنسيات بصورة أيسر وأسرع ومثلها علي سبيل المثال فرض
جنسية الأب وعدم فرض جنسية الدولة المولود علي إقليمها يحول دون ازدواج جنسية
هؤلاء الأولاد . ومثله ارتباط بلجيكا عام 1949ممع فرنسا باتفاقية تخص الخدمة
العسكرية لمن يحمل الجنسيتان الفرنسية والبلجيكية حيث التزمت كل من الدولتين
بالاعتراف بالخدمة العسكرية التي يؤديها مزدوج الجنسيتين في أي من الدولتين
واعتبرتاها خدمة مجزية في الدولة الأخرى .
أما اتفاقات جامعة الدول العربية فنجد أن جامعة الدول
العربية بذلت جهود تهدف الي القضاء علي حالات انعدام الجنسية وازدواجها ، وقد
أثمرت هذه الجهود عن إقرار مجلس الجامعة لاتفاقيتين الأولي : اتفاقية عام 1952م
بشأن جنسية أبناء الدول العربية المقيمين في بلاد غير التي ينتمون إليها بأصلهم .
والثانية : اتفاقية الجنسية عام 1954م .نوجزهما كالآتي:
اتفاقية سنة 1952 :
انعقدت هذه الاتفاقية بين دول الجامعة العربية عام 1952م وصادقت عليها
السعودية 1954م ، مصر 1954م ، الأردن 1955م والعراق 1956م ، متضمنة أحكاما تنهي
حالات انعدام وازدواج الجنسية المتأتية من انتقال السلطة من الدولة العثمانية إلي
الدول المنسلخة عنها ونشوء الجنسيات الجديدة حسبما تقره معاهدة لوزان النافذة عام
1924م في المادة (30)التي اعترفت تركيا بها ( بأن الرعايا الأتراك المقيمين عادة
في أرض منسلخة عن تركيا بموجب أحكام هذه المعاهدة يصبحون من رعايا الدولة التي
تنقل إليها تلك الأرض وفق الشروط التي يضعها قانونها المحلي ). وبذلك نقلت الجنسية
العثمانية إلى جنسيات الدول الناشئة اثر تبدل السيادة . واعتمدت قوانين هذه الدول
في تحديد الأصول الذي يتكون منهم شعب الدولة على التمتع بالعثمانية والسكن ، و
أصبح كل عثماني قاطن في الإقليم المنفصل خلال فترة حددها قانون كل دولة تزول عنه
الجنسية العثمانية ويحصل علي الجنسية الجديدة (د.جاد عبد الرحمن ،جابر ، مجموعة
قوانين الجنسية في الدول العربية ، دار النشر ،1999م ) .
وهكذا وعلي هذه الصورة سارت تشريعات الدول العربية الناشئة في
تنظيم جنسية التأسيس وكل ما اختلفت فيه هو التوقيت من حيث ابتداء الإقامة الصالحة
ومدتها . وقد وجد نتيجة لهذا الاختلاف أن بعض الأشخاص ينتمون بأصلهم إلى بلد عربي
ولم يحصلوا علي جنسية بسبب عدم اكتمال شرط الإقامة فيهم لوجودهم في بلد عربي
غير البلد الذي ينتمون إليه بأصلهم ولكنهم في الوقت ذاته لم يكمل فيهم شرط الإقامة
أيضا للبلد الذي وجدوا فيه فيكون والحالة هذه عديم الجنسية ، لذا جاءت هذه
الاتفاقية لمعالجة حالة أمثاله إذ قضت المادة الأولى من اتفاقية 1952م بأن ( كل
شخص ينتمي بأصله إلى احدي دول الجامعة ولم يكتسب جنسية معينة ولم يتقدم لاختيار
جنسية بلده الأصلي في المحل المحدد بموجب المعاهدات والقوانين يعتبر من رعايا بلده
الأصلي ، فإذا كسب جنسية البلد الذي يقيم فيه سقطت عنه جنسية بلده الأصلي ) .لقد
أرادت الاتفاقية إنقاذهم من حالة انعدام الجنسية بإدخالهم في جنسية بلدهم الأصلي ،
غير أنها اشترطت لإدراك ذلك عدم اكتساب جنسية دولة أخري . وتكون بهذا الشرط قد
عملت الاتفاقية علي تجنب ظهور ازدواج الجنسية ( مجلة القضاء ، د. الهداوي ، حسن ،
دخول الأجنبية في جنسية زوجها العربي ، العدد2 ، بغداد ،1980م ، ص 15 )
.
اتفاقية سنة 1954 (اتفاقية الجنسية ):
أقر مجلس جامعة الدول العربية في 5/2/1954ماتفاقية
الجنسية والتي تم توقيعها من قبل الأردن ومصر والعراق ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ
لان المادة 11من الاتفاقية نصت علي أن (يعمل بهذه الاتفاقية بعد شهرين من إيداع
وثائق التصديق عليها من ثلاثة دول …) في حين لم يودع وثائق التصديق عليها إلا من
قبل الأردن عام 1954 ومصر عام 1955م ولهذا فأنها لم تدخل حيز التنفيذ . ورغما عن
ذلك فقد تأثرت بها تشريعات بعض الدول العربية وأهم ما جاء فيها من قرارات والتي
أريد بها محاربة ظاهرة ازدواج الجنسية وانعدامها الآتي :
2- الوسائل الداخلية
:-
إن الوسائل الداخلية لتلافي ازدواج الجنسية المعاصر للميلاد
واللاحق له يتحقق بأن يقوم مشرع كل دولة بإتباع الوسائل القانونية الآتية
:-
تيسير الاختيار :-
قد تثبت للمرء جنسيتان بالولادة بناء علي حق الدم وحق الإقليم وقد يحصل
بعد ولادته علي جنسية جديدة بسبب الزواج أو تبدل السيادة فلمنع هذا الوضع وللتخلص
من الازدواج تمنح قوانين بعض الدول للشخص متعدد الجنسيات حق اختيار أحداهن
.
فقد الجنسية بمجرد الدخول في جنسية جديدة :-
وهذا
ما اعتمدته تشريعات كثيرة في الانتقال من جنسية إلى أخرى بتبدل السيادة والتجنس والزواج
. ففي تبدل السيادة تعطي التشريعات لأهالي الإقليم المنفصل حق تقرير الدخول في
الجنسية الجديدة أو العودة إلى الجنسية القديمة ، فالذين فرضت عليهم الجنسيات
نتيجة تبدل السيادة وانتقالها من الدولة العثمانية إلى الدول المنفصلة عنها حق
التخلي عن الجنسية المفروضة عليهم واختيار الجنسية التركية أو جنسية البلد الذي
ينتمون إليه أصلا ، ومتى مارسوا حق الاختيار وتوفرت فيهم شروطه فأن هذه القوانين
تزيل عنهم جنسية التأسيس المفروضة عليهم ، وبهذا تحاشت هذه التشريعات ظهور ازدواج
الجنسية . وذات الحكم ممكن اتباعه في كل من التجنس والزواج . وفي الزواج تقرر كثير
من التشريعات فقد المتزوجة من أجنبي جنسيتها بمجرد دخولها في جنسية الزوج من ذلك
القانون الكويتي والقانون السوري والقانون العراقي (د. راشد ، سامية ، الوجيز في
القانون الدولي الخاص ، دار الشروق ، القاهرة ، 2003م ) .
تعليق اكتساب الجنسية بناء علي حق
الإقليم علي عدم إسعاف حق الدم في الحصول علي جنسية من الجنسيات
:-
فاللقيط الذي يعثر عليه في إقليم دولة من الدول وكذلك المولود
فيه من أبوين مجهولين تثبت له جنسية البلد الذي يعثر عليه فيه أو البلد الذي يولد
فيه لتعذر حصوله علي جنسية الأب أو الأم وهذا ما قررته كثير من التشريعات العربية
.
من
هذا العرض يتضح أن مشرعي الدول لم يألوا جهدا في وضع النصوص التشريعية التي من
شأنها إما إنهاء حالة ازدواج الجنسية أو تفادي ظهورها
ومع ما أحرزته
الجهود العلمية والاتفاقات الدولية والنصوص الوطنية للدول المختلفة من تقدم ملحوظ
في مكافحة ظاهرة ازدواج الجنسية إلا أن حرية الدولة في سن القواعد الخاصة بجنسيتها
حال ويحول دون منع ظهور ازدواج الجنسية ، فهي لازالت قائمة ، ولا بد من إقرار واقع
الحال ومن الاعتراف بوجودها والتوجه نحو إيجاد السبل الكفيلة بتذليل الصعوبات
القانونية المترتبة علي وجودها وفيما يلي معالجتها .
المشكلات المترتبة علي ازدواج الجنسية :-
يثير ازدواج الجنسية مشاكل كثيرة يتعلق بعضها بالتكاليف التي تفرضها عليه
تلك الجنسيات كالخدمة العسكرية والضرائب كما يثير مشاكل أخرى منها دبلوماسية تتعلق
بالحماية الدبلوماسية و أخرى قانونية كتحديد قانونه الشخصي وتعيين مركزه لمعرفة ما
إذا كان يعد من الأجانب أم من الوطنيين وحل هذه المشاكل يتطلب فض تنازع الجنسيات
لمعرفة أي منها توضع موضع الاعتبار .
ويجدر
بنا أن نوضح ما المقصود باصطلاح تنازع الجنسيات لاحتمال اختلاطه باصطلاح تنازع
القوانين، فقد يتبادر إلى الذهن أن حل تنازع الجنسيات ما هو إلا حل لمسألة تنازع
القوانين بين الدول ، في حين يختلف كل منها عن الآخر إذ أن ازدواج الجنسيات لا
يثير تنازعا بين قوانين الجنسية للدول التي يتمتع الشخص بجنسيتها بالمعني
الاصطلاحي لمفهوم عبارة تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص ،إذ لا يمكن القول
بوجود تنازع بين القوانين إلا إذا كان هناك مجال للتساؤل عن القانون الواجب
تطبيقه ، وهذا الفرض لا وجود له في حالة ازدواج الجنسية ، لآن قواعد الجنسية من
مسائل القانون العام التي لايمكن استبدالها وإحلال قواعد أجنبية محلها ، لان تحديد
الانتماء إلى جنسية الدولة أمر ينفرد به مشرع كل دولة نظرا للصلة الوثيقة للموضوع
بسيادة الدولة (رياض ، فؤاد عبد المنعم ،مبادئ القانون الدولي الخاص ،ص 235) فمن
المسلم به قانونا أن انتماء الفرد إلى جنسية دولة معينة إنما يكون وفقا لقانون تلك
الدولة ، ولهذا فليس هناك من تنازع بين قوانين الجنسية لدول مختلفة للبحث عن حل
لها ، وكل ما يراد هنا البحث عن معيار يتم به وضع احدي الجنسيات موضع الاعتبار وغض
النظر عما سواها ، لا اختيار القانون الواجب التطبيق ، لان الغرض هو الوصول إلى
تحديد مركز متعدد الجنسيات بترجيح إحداهن بغية حل المشكلات المترتبة علي ذلك
(الوكيل ، شمس الدين ، ازدواج الجنسية ، ص 150) .
من
المتفق عليه أن هذا الترجيح يستلزم التفريق بين ما إذا كان موضوع ازدواج الجنسية
قد ظهر أمام قضاء سلطات دولة من الدول التي تكون جنسيتها احدي الجنسيات المتنازعة
أو كان قد ظهر أمام سلطات دولة ثالثة أو هيئة دولية .
في الحالة الأولى :
حيث يثار
فيها أمر تحديد مركز متعدد الجنسيات أمام قضاء أو سلطات الدولة التي يتمتع الشخص
بجنسيتها ، كما لو كان شخص من الأشخاص حسب أحكام قانون الجنسية المصري مصريا
وبموجب القانون السوداني سودانيا فهو والحالة هذه يعتبر في نظر كل من احدي هاتين
الدولتين متمتعا بجنسيتها ، فلو طرحت مسألة اختيار احدي هاتين الجنسيتين أمام سلطة
من سلطات احدي هاتين الدولتين فما عليها إلا اتباع ما هو مقرر دوليا وذلك بتطبيق
قانونها إذ من حقها أن تعامله كوطني لا ينتمي لأية دولة أخرى والعمل بخلاف ذلك
يخرجها عن الاحترام الواجب لقوانين الدولة التي يستمد منها سلطتها (فهمي، محمد
كمال ،أصول القانون الدولي الخاص ، ص 87 )، وعليه فأن السلطات السودانية تعتبره
سودانيا وتحل المشكلات المترتبة علي الازدواج علي هذا الأساس فتحكم أحواله الشخصية
بموجب القانون السوداني وتخضع ميراثه للقانون السوداني وتحدد حقوقه علي أساس أنه
سوداني ، وهذا هو الحل الذي أخذت به تشريعات كثير من الدول العربية وسبق وأن تبنت
هذا المبدأ وأخذت به اتفاقية لاهاي لعام 1930م لتقنين القانون الدولي وذلك في
المادة الثالثة منها حين جوزت لكل دولة من الدول التي يتمتع مزدوج الجنسية
بجنسيتها أن تعتبره من رعاياها .
وقد يخرق هذا المبدأ وتخرج عنه الدولة في أوقات الأزمات والحروب فتعامل
بعض الدول الأشخاص الذين يتمتعون بجنسياتها في الوقت ذاته بجنسية دولة معادية
كأجانب وتتجاهل صفتهم الوطنية (الوكيل ، شمس الدين،ازدواج الجنسية، ص 153 ). وفي
ما عدا هذه الحالة الاستثنائية فأن الحكم السائد فقها وقضاء هو أن السلطة الوطنية
لأية دولة تعتبر من يتمتع بجنسية أخري مع تمتعه بالجنسية الوطنية وطنيا ، أي ترجح
جنسيتها وتأخذ بها لتعين مركز متعدد الجنسيات سواء لمعرفة حقوقه والتزاماته
وللتعين القانون الواجب التطبيق وكذلك الحال فيما يتعلق بالحماية الدبلوماسية إذ
ليس في مقدور الدولة التمسك بحقها في حماية متعدد الجنسيات دبلوماسيا في مواجهة
دولة أخرى يحمل هذا الشخص جنسيتها . وهذا ما قررته المادة الرابعة من اتفاقية
لاهاي عام 1930م بنصها ( لايجوز لدولة أن تمارس حمايتها الدبلوماسية لصالح أحد
رعاياها إيذاء دولة يكون هذا الشخص أيضا من رعاياها ) .
أما
بصدد الأعباء الوطنية التي تتعين علي عاتق متعدد الجنسية فقد بذلت جهود عظيمة عن
طريق الاتفاقات الدولية لتنظيمها وتحديدها فنصت مثلا اتفاقية لاهاي المشار إليها
علي (أن كل من يحمل جنسيات عدة دول ويكون مقيما في إقليم إحداها ومتصلا فعلا بها
يعفي من أي التزام عسكري تجاه الدول الأخرى التي يحمل جنسيتها وما هذا إلا تغليب
للجنسية الفعلية(عبد الله ، عزالدين، مصدر سابق، ص275) .
وفي الحالة الثانية :
وهي التي تكون مسألة ازدواج الجنسية قد طرحت أمام هيئة دولية
أو سلطة دولة لم تكن جنسيتها احدي الجنسيات المزدوجة . ومن ذلك ما لو حصل خلاف
بشأن جنسية شخص ما ودفع إلى محكمة دولية وكذلك الحال ما لو رفع نزاع أمام محكمة
دولة ثالثة وتعلق النزاع بميراث مزدوج الجنسيات مثلا . إن قاعدة الإسناد في قانون
الدولة التي رفع النزاع أمام احدي محاكمها تعطي الاختصاص إلى قانون جنسية المتوفي
. فليس أمام القاضي ، والمتوفى ينتمي إلى أكثر من جنسية ، إلا أن يأخذ إحداهن دون
سواها كضابط للإرشاد إلى القانون الواجب التطبيق . ولكن ما هو المعيار الذي تعتمده
المحكمة للمفاضلة بين الجنسيات المتنازعة في هذه الحالة ؟
لقد
قدمت عدة معايير في تفضيل احدي الجنسيات المزدوجة منها مايلي :
هناك معيار يأخذ بترجيح الجنسية المستمدة من
القانون الأشبه في أساسه بقانون القاضي ، فلو كانت احدي الجنسيات مستمدة من حق
الدم والأخرى مستمدة من حق الإقليم وكان قانون القاضي يعتمد في الحالة المشابهة
علي حق الدم ولا يعول علي حق الإقليم فيكون قانون الجنسية الأولى أقرب من قانون
القاضي ، لذا يتعين حسب وجهة أنصار هذا الرأي ، علي القاضي المطروح أمامه النزاع
أن يعتمد الجنسية المبنية علي حق الدم . ويعترض علي هذا الرأي بان ليس هناك ما
يبرر ترجيح قانون جنسية دولة القاضي علي القوانين الأخرى.
وهناك رأي آخر يقول بتخويل من ازدوجت الجنسيات فيه الحق
باختيار احدي الجنسيات التي يريد أن يتعامل بها . ويعترض علي هذا الرأي بأن
الجنسية من القانون العام تربط الفرد بدولة من الدول ولا يمكن أن يترك الأمر لرغبة
الفرد ومشيئته التي قد تختلف باختلاف الظروف . ثم أن العمل بهذا المعيار سيكون
متعذرا إذا كان المراد تحديد جنسيته إذا قد لحقته الوفاة كما هو الحال في تعيين
القانون الذي يحكم ميراث المتوفى .
ويذهب رأي ثالث إلى إعطاء الترجيح إلى أول جنسية اكتسبها الشخص
ولكن هذا المعيار يستحيل العمل به إذا كان اكتساب الجنسيات المتعدد قد تم في أن
واحد وكما لو حصل الشخص علي الجنسية الأولى بحق الدم والثانية بحق الإقليم
.
ويدعو رأي رابع إلى اعتماد آخر جنسية حصل عليها من ازدوجت الجنسيات فيه ،
وبطبيعة الحال يتعذر في كثير من الأحيان تحديد آخر جنسية في حالة ما إذا كان
الحصول عليهن قد تم في أن واحد (د. شكري ، محمد عزيز ،تنازع القوانين ، دار
الفكر 2006م )
إلا أن الرأي السائد فقها وقضاء يتجه نحو معيار عملي يعتمد علي الجنسية
الفعلية أو الواقعية ، أي جنسية الدولة التي يعيش بها في الواقع ، ويتخاطب بلغتها
ويتمتع بحقوق الوطنيين فيها وخاصة الحقوق السياسية منها ،أو يؤدي فيها الخدمة
العسكرية . ويكشف عن هذه الجنسية ( الواقعية ) من تصرفاته المختلفة كمباشرته حق
الانتخاب والترشيح للمجالس البلدية أو التشريعية وكأدائه الخدمة العسكرية أو
التحاقه بوظيفة عامة ، إلى غير ذلك من الظروف التي يهتدي بها لتثبت من اندماج
الشخص في مجتمع دولة من الدول التي يتمتع بجنسياتها من أجل تحديد الجنسية الواقعية
لأخذها بعين الاعتبار وتهمل غيرها .
وقد أقرت المادة الخامسة من اتفاقية لاهاي لعام 1930م وجهة النظر هذه فنصت
علي ( انه إذا كان للشخص أكثر من جنسية فهو يعامل في إقليم الدولة التي لا يحمل
جنسيتها علي أساس تفضيل جنسية الدولة التي يكون فيها محل إقامته العادية ،أو جنسية
الدولة التي يتبين من الظروف أنه أكثر ارتباطا من غيرها ) .
وأخذت
محاكم دولية بالجنسية الواقعية كأساس لفض تنازع الجنسيات ففي قضية رافائيل
كأتبغارو والتي تتلخص في أن رافائيل قد ولد في بيرو من أب ايطالي ففرضت عليه
الجنسية الايطالية بحق الدم وجنسية دولة بيرو بحق الإقليم . اختلفت الدولتان في
أمر جنسيته إذا ادعت كل واحدة منها انه من جنسيتها . وفي 3/ 5/1912م قضت محكمة
التحكيم الدائمة في لاهاي بأنه من دولة بيرو مستندة في هذا الترجيح إلى معيار
الجنسية الفعلية لأن المدعو رافائيل قام في بيرو
بمباشرة حقوقه السياسية بترشيح نفسه بعضوية مجلس الشيوخ وقد أكدت محكمة العدل
الدولية هذا الاتجاه عام 1955م في قضية نوثبوم () الذي يعتبر من دولة جواتيمالا
وتجنس بجنسية لخنشتين فأبعدته جواتيمالا عام 1943م واستولت علي أمواله دون تعويض ،
فتمسكت دولة لخنشتين بحمايته بوصفه أحد وطنييها ، قضت المحكمة بعدم الاعتداد
بجنسية لخنشتين لآن تجنس نوثبوم بجنسيتها لا يقوم علي أية رابطة فعلية حقيقية وردت
علي هذا الأساس دعواها (عبد الله ، عزالدين ، مصدر سابق ، ص 158) .
وليس
هذا هو موقف المحاكم الدولية فحسب ، بل أن القضاء الداخلي والسلطات الوطنية في
كثير من الدول استقرت علي تطبيق مبدأ الجنسية الفعلية كأساس للأخذ بعين الاعتبار
احدي الجنسيات المزدوجة كظرف لتعيين القانون الواجب التطبيق وتحديد مركز الشخص
المزدوج الجنسيات .
وهناك
سابقة للبناني هاجر من لبنان إلي الأرجنتين قبل الحرب العالمية الأولى وتحصل على
الجنسية الأرجنتينية دون تصريح سابق من الحكومة العثمانية وبقي في الأرجنتين وعاش
فيها ، قرر حكم القاضي الابتدائي ببيروت في 16 يونيو 1951مبأنه يجب أن يعتبر من
الجنسية الأرجنتينية لا التركية (نعيم ، ادمون ،القانون الدولي الخاص ، ص 37 ) ،
لآن النزاع بين جنسين أجنبيين فأعتمد علي الجنسية الفعلية . أما لو كان النزاع بين
الجنسية اللبنانية والأجنبية لاختلف موقف القضاء من ذلك ولحكم لصالح الجنسية
الوطنية .
وجدير
بالملاحظة أن مبدأ الجنسية الفعلية كأساس لتعيين احدي الجنسيات المزدوجة رغما عن
وجاهته قد لا يصلح دائما للأخذ به في كل الظروف والأحوال ، إذ من الصعوبة بمكان
الآخذ به علي الإطلاق فيما إذا كانت احدي الجنسيات المزدوجة هي جنسية دولة في خلاف
أو حرب مع الدولة التي تريد احدي سلطاتها فض تنازع الجنسيات في النزاع المعروض
أمامها ، فأنه والحالة هذه قد تترك معيار الجنسية الفعلية كي تتحاشي المخاطر وشبهة
الارتباط بالدولة المعادية وتضطر سلطات الدولة المطروح أمامها الموضوع خضوع الشخص
للرقابة والحراسة وإقامة جميع الإجراءات الوقائية باعتباره من رعايا الدولة
المعادية حتى ولو كانت الأمارات تشير إلى ارتباطه بجنسية أخرى غير جنسية الدولة
المعادية (الوكيل ، شمس الدين ،مصدر سابق ، ص 162 ) وهكذا فالسلطات في أي دولة
مضطرة إذا ما عرضت عليها قضية أمنية تتعلق بشخص يحمل الجنسية الإسرائيلية أو جنسية
أي دولة معادية أو جنسية دولة ثالثة أن تعامله باعتباره من رعايا الدولة التي في
خلاف حتى ولو كانت جميع الدلائل تشير إلى أنه أكثر صلة بالدولة الثالثة ذلك لآن
للحرب منطقها ويعامل الأعداء فيها استثناءا معاملة خاصة .
وعلي كل يمكن تشبيه مزدوج الجنسية بحالة أشخاص تحيروا خلال الحرب في
الوقوف بين دولتين عدوتين ينتمون إلى إحداها بالميلاد و إلى الأخرى بالإقامة فكان
من قدرهم أن عوملوا كأعداء من إحدى الدولتين أولا وعندما أسعدهم الحظ بالهرب منها
للأخرى عوملوا أيضا كأعداء في الدولة الأخرى.
النتائج :-
1 – تنوع الأسس التي تبني عليها الجنسية
واختلاف صياغة أحكامها يؤديان في كثيرمن الأحيان إلى تراكم أكثر من جنسية واحدة
لدي شخص واحد ، دول تأخذ بحق الدم وتفرض جنسيتها علي كل من يولد من أبنائها ، ودول
تأخذ بحق الإقليم وتفرض جنسيتها علي كل من يولد في إقليمها ، إذن اختلاف الأساس هو
السبب في أن تثبت للمولود جنسية الدولتين في أن واحد وبالتالي ازدواج
جنسية المولود ، وهذا ما نعني به ازدواج الجنسية المعاصر للميلاد
.
2- تزدوج الجنسيات في شخص ما في وقت لاحق
للميلاد ويتحقق هذا في كل من التجنس والزواج والضم والانفصال
.
3- تحول صعوبات مادية ومعنوية دون الوفاء
بواجبات والتزامات مزدوجي الجنسية وطنية عديدة للدول التي يحمل جنسياتها وقد
يستحيل عليهم أحيانا أداؤها ، فلا نتصور لمزدوج الجنسية تأدية واجب خدمة
العلم والدفاع عن حياض الوطن في
وقت المحن والحروب بين الدول التي ينتمي إليها ، بل هناك صعوبة حتى في وقت السلم
عند مباشرته الحقوق العامة كحق الانتخاب أو الترشيح أو أداء الضريبة
.
4 – ازدواج الجنسية يثير الفوضى
والاضطراب في توزيع الأفراد دوليا ويؤدي إلي نزاعات بين الدول التي تتمسك كل منها
بتبعية الشخص لأداء الخدمة العسكرية أو فيما يتعلق باستحقاق التركة أو الحماية
الدبلوماسية .
5-هناك فرق بين مصطلحي تنازع الجنسيات
وتنازع القوانين رغما أن هناك حالات علاقة تجمع بينهما وهو ما أوضحناه في
متن البحث .
6- تنازع الجنسيات فيه شقين ، الأول هو
تنازع الجنسيات الايجابي أي تعددها وهو ما يطلق عليه ازدواج الجنسية ، والشق
الآخر هو تنازع الجنسيات السلبي
والتي تعني حالة انعدام
الجنسية للشخص .
7- أن تشريعات الدول لم تصل بعد إلى
القضاء علي ظاهرة ازدواج الجنسية وواقع
الحال
ينطق بوجود هذه الظاهرة وقد تصدي لها الفقه والقضاء الدولي والداخلي لمعالجة
المشاكل الناجمة عنه .
8- الآخذ بفكرة الجنسية الفعلية أو
الجنسية الواقعية في حالة تنازع الجنسيات ورغم وجاهته إلا أن الأخذ به
يواجهه صعوبة في حالة الحروب .
التوصيات :-
1 – نوصي بمحاربة ظاهرة ازدواج الجنسية
بكل السبل ، إما بالتنسيق والتعاون بين الدول بصورة مجتمعة أو بالوسائل
الدولية المختلفة من مؤتمرات دولية ودبلوماسية أو باتفاقات وجهود
علمية عالمية ، أو بالوسائل الوطنية وذلك بما تبذله كل دولة وبصورة
منفردة وفي تشريعاتها الداخلية لتفدي ظاهرة ازدواج الجنسية .
2- نوصي بتعليق اكتساب الجنسية لدولة
معين علي عدم التمتع بجنسية أخري وكذا إفقاد الجنسية لدولة معينة باكتساب
جنسية دولة أجنبية . وكذا نوصي بزوال جنسية المرأة المتزوجة من أجنبي
بدخولها في جنسية زوجها ، فضلا عن تسهيل حق التخلي عن جنسية الدولة المعنية
وإقراره في التشريعات .
3- أهم مشكلة تواجه الفقه والقضاء
بالنسبة إلى ازدواج الجنسية هي مشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق علي العلاقة
القانونية المشوبة بعنصر أجنبي فيما اصطلح له بتنازع القوانين
.
4- نوصي عند ازدواج الجنسية في شخص ،
فعلي من رفع الأمر أمامه أن يأخذ بالجنسية الفعلية لتعيين مركز من ازدوجت
جنسياته وذلك سواء بتديد القانون الواجب التطبيق أو بتعيين حقوقه والتزاماته
.
5- نوصي بعدم الآخذ بجنسية حق الإقليم
والاكتفاء بجنسية حق الدم خاصة وأنهما يثبتان في الفرد في مياد واحد
باستثناء حالات مثل فاقدي الأبوين وأطفال الشوارع .
6- في حالة الضم أو الانفصال نوصي أن تنص
تشريعات الدول علي فترة محددة يخير فيها الشخص في الجنسية التي يختارها وإلا
تسقط عنه الجنسية بمضي هذه المدة .
المراجع والمصادر :
1 – القرآن الكريم
2 – د. أحمد سالم ، القانون الدولي الخاص
،دار الفكر العربي،القاهرة، 2003م .
3 – د ادمون نعيم ، القانون الدولي الخاص
، بيروت ،دار الفكر العربي 2007م .
4 – د. حسن الهداوي – ازدواج
الجنسية ، مطبعة الأديب،دار النهضة، 2010م .
- دخول الأجنبية في جنسية زوجها العربي ،
مجلة القضاء ،العددان 1،2 ، بغداد ، 1980م .
5 – د. جابر جاد عبد الرحمن _ القانون
الدولي الخاص ، 2009م .
_ مجموعة قوانين الجنسية في الدول
العربية ،1999م .
6 – د. فاضل زكي، الدبلوماسية بين
النظرية والتطبيق، دار النشر، القاهرة ، 1998م.
7- د. فؤاد عبد المنعم رياض، مبادئ
القانون الدولي الخاص ، بيروت ، 2004م .
8- د. ماجد الحلوان، القانون الدولي
الخاص، دار صادر، بيروت ،2002م .
9- د. محمد عزيز شكري، تنازع القوانين،
دار الفكر، القاهرة، 2006م .
10- د. محمد كمال فهمي ، تنازع الجنسيات
الايجابي ، الإسكندرية ، 2002م .
11- د. عزا لدين عبد الله ، القانون
الدولي الخاص ، دار النشر ، 2015م .
12- د.سامية راشد، الوجيز في القانون
الدولي الخاص ، دار الشروق ، القاهرة 2003م.
13- د. شمس الدين الوكيل، ازدواج
الجنسية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق