الجمعة، 17 مايو 2019

سكرتير التحرير : مايسترو الجريدة : ودوه في الإخراج الصحفي :


جندي مجهول اسمه‏:‏ سكرتير التحرير
بـ‏13‏ مذهبا للإخراج الصحفي يصافح الأهرام عيون قرائه‏!‏
 


زيارة واحدة لصرح الأهرام الثلاثي بشارع الجلاء بالقاهرة‏..‏ قد تحقق الهدف منها لجمهور ربما لا يعرف حجم الجهد الذي يفوق طاقة البشر داخل هذه الصروح من أجل أن يخرج الأهرام وإصداراته إلي جماهيره في كل مكان‏..‏
ووراء هذا الجهد نوعان من الجنود‏..‏ معلومون يعرفهم القاريء بأعمالهم وكتاباتهم وصورهم‏..‏ ومجهولون يقفون وراء الكاميرات كمخرجي أفلام السينما هم سكرتيرو التحرير أو المخرجون الصحفيون وإليهم وبهم يتحدد شكل الجريدة الذي يطالعه القاريء وتبويبها واخراجها الذي يشكل علامات فارقة بين جريدة وأخري‏..‏ ومن هنا كان احترام قاريء الأهرام لجريدته التي ظلت علي مدار‏125‏ سنة محافظة علي وقارها وجمالها وتنظيمها‏.‏

علي أن الإخراج الصحفي فن حديث نسبيا علي الصحافة المصرية والعربية عرفته صحفنا في نهايات أربعينيات القرن الماضي بشكله البسيط وهو تنسيق المواد الصحفية الي جوار بعضها في الصفحات ومنها مساحات الاعلانات في اطراف الصفحات السفلي أما عناوين الموضوعات أو المانشيتات فكانت من نصيب الخطاطين الذين تباروا في إظهار فنونهم ومهاراتهم بين خطوط الرقعة والنسخ والديوان وهكذا‏..‏
ثم عرفت الصحافة الصورة والكليشيه لنقل الصورة الي الصحيفة‏..‏ كما عرفت آلات الجمع السطري والطباعة البارزة حتي انتهت اليوم الي الطباعة الملساء والضوئية عن طريق الكمبيوتر‏..‏

ولكن ماهو الاخراج؟
وماهي أهدافه؟
وهل هو ضروري للصحف؟
يري هارولد ايفانز ـ أحد كبار المخرجين الصحفيين الأمريكان ـ أن للاخراج هدفين أساسيين‏:‏ أولهما التنظيم بمعني تنسيق المواد الصحفية المتباينة في وحدات واضحة وتنسيق العناصر المختلفة داخل الموضوع الواحد‏.‏
والثاني هو الإبراز‏..‏ وواجب المخرج أو سكرتير التحرير الي جانب تنظيم مواد الصحيفة أن يرتبها وفقا لقيم الصحيفة وأهمية المادة بهدف جذب الانتباه وكسر روتين الصفحة‏.‏

ويتم هذا أولا من خلال التباين واستعمال المؤثرات أو العناصر التيبوجرافية ولكن بدون إسراف ومع الاختيار بينها وليس استعمالها جميعا‏..‏
والعناصر التيبوجرافية لمن لا يعلم هي الحروف والخطوط والفواصل والصور والرسوم والشبكات والأشكال مثل المربعات والدوائر والظلال‏..‏

وثانيا باستخدام اسلوب العزل لإبراز الأهمية من خلال استخدام الأطر‏(‏ البراويز أو الشبكات أو أي عنصر تيبوجرافي مناسب‏..‏

ولكن كيف يتم الاخراج الصحفي وماهي مراحله؟
يبدأ الاخراج كعملية فنية صحفية بعدد من الخطوات المتتالية أولها توزيع المادة التحريرية المكتوبة والمصورة والمرسومة علي صفحات الجريدة المختلفة الي جانب المادة الاعلانية بعد أن تكون ادار ة الاعلانات قد حددتها علي ماكيت صفحاتها المصغرة‏.‏
ويتم الاتفاق بين المخرج الصحفي أوسكرتير التحرير ومسئول الصفحة علي تقييم المادة الصحفية ومن ثم تحديد مواقعها ومساحاتها وحجمها تبعا لأهميتها وقيمتها وتبدأ مسئولية المخرج في إبرازها وتقديمها بالشكل المناسب مع ملاحظة أن طبيعة المضمون هي التي تتحكم عادة في هذا التوزيع مع مراعاة سياسة التحرير وعلاقة الموضوع من حيث الحجم والأهمية بما يجاوره من موضوعات في الصفحة‏.‏

عند بدء توزيع المادة التحريرية يجد المخرج الصحفي نفسه أمام ثلاثة أنماط من الصفحات‏.‏
‏*‏ نمط الصفحة الأولي ولها إخراج مختلف عن باقي الصفحات‏.‏ وأحيانا تكون هناك صفحة أولي داخلية تحل محل الصفحة الثالثة عند عمل غلاف للجريدة في بعض الحالات الخاصة‏..‏ وكذلك الحال مع الصفحة الأخيرة اذا جاءت داخلية لوجود اعلان صفحة كاملة‏(‏ كارت‏)‏ محلها‏.‏

‏*‏ نمط الصفحة الثابتة‏(‏ المتخصصة‏)‏ التي تضم أركانا وزوايا وأبوابا ثابتة متخصصة‏..‏ وتوزع فيها المادة التحريرية تبعا للتبويب والشكل المتفق عليه من خلال اسلوب إخراجي ثابت‏.‏
‏*‏ نمط الصفحات المفتوحة أو العامة والتي تنشر ألوانا صحفية معينة من ناحية الشكل والمضمون مع عدم الالتزام بتبويب ثابت ومعين للمادة المنشورة فيها مثل التحقيقات والأحاديث والصور أو الصفحات الأخبارية‏..‏ وهذا النوع من الصفحات يتيح للمخرج حركة واسعة في عرض المادة الصحفية‏.‏

ثم تبدأ سخونة الحياة داخل الصفحات وتبدأ معها ملاحظات المخرج عند عرض المادة التحريرية فعليه أن يراعي عددا من المتغيرات لإحداث اكبر تأثير ممكن علي القاريء‏!..‏
عليه مثلا أن يراعي موقع المادة التحريرية من الصفحة‏.‏
عليه مثلا ان يراعي موقع المادة التحريرية من باقي المواد في الصفحة لمنع تداخل عناصر الابراز التي يختارها ويوزعها في الصفحة‏..‏
ولابد أن يحسب بدقة مساحة المادة الصحفية التي يضعها في الصفحة‏.‏

ويجب ألا يهمل شكل العناوين ونوعها وطريقة عرضها‏:‏ مفرغة ؟ داخل اطار؟ فوق شبكة؟ ونوع الشبكة؟
وعليه أيضا أن يراعي حجم العناوين وعدد الأعمدة المجموعة عليها لتحديد البنط والسمك والثقل والكثافة ونوع الحرف الذي اختاره للعناوين‏.‏

لابد أيضا أن يختار شكلا للعناوين وموقعها من المادة التحريرية‏:‏ بجانبها ؟ فوقها؟ تحتها؟ داخلها؟
يجب كذلك أن يراعي شكل المتن‏(‏ النص‏)..‏ هل سيكون علي هيئة كتلة مستطيلة؟ مربعة؟ بشكل غير منتظم؟ به زوايا ومتداخلا مع موضوعات أخري؟ هل له علاقة سببية أو شرطية مع موضوعات أخري الي جواره؟

ثم يسأل عن حجم المتن أو النص والبنط المستخدم فيه وفي المقدمة وجسم المتن والخاتمة‏..‏ وهل كلها حسابات يجريها المخرج خلال عمله الذي تدرب عليه طويلا‏..‏
كذلك يدخل في عمل المخرج واهتماماته نوع المادة المصورة الواردة في الصفحة‏:‏ فوغرافية ؟ شكلها؟ حجمها؟ وموقعها من المادة الصحفية المصاحبة؟

والمواد المرسومة للتعبير والتوضيح كالخرائط والاشكال أو الموتيفات أو الاسكتشات وحجمها‏..‏ كبيرة؟ صغيرة؟ وموقعها من المتن‏..‏
سيختار المخرج أيضا وسائل الفصل بين المواد‏.‏ جداول؟ فواصل كالمربعات أو الدوائر والشبكات؟ براويز؟ وماهي اشكالها وأحجامها أم هل سيكتفي بالمساحات البيضاء بين كتل المواد كفواصل؟

يتبقي أخيرا وضع اسم المحرر والمصور والرسام وكاتب المقال أو العمود من حيث حجمه ومساحته وتصميمه‏.‏
‏**‏ مشوار يومي صعب مليء بالتفاصيل والمسئوليات الصغيرة والكبيرة هدفها جميعا صدور الجريدة في موعدها وبأكمل مادة صحفية وأجمل شكل اخراجي‏.‏

‏**‏ يبدأ اليوم الصحفي باجتماعات أقسام الجريدة لمعرفة شكل ونوع المادة الصحفية ومهام المحررين والمندوبين والمراسلين والمصورين وتقييم المادة المتوقع الحصول عليها في هذا اليوم‏..‏ يتلو هذا الاجتماع اجتماع آخر لرؤساء الأقسام مع مديري التحرير يحضره رئيس التحرير لتقرير الشكل النهائي للجريدة وموضوعات اهتمامها في هذا اليوم وتوزيع موادها الصحفية علي الصفحات‏.‏

‏**‏ ثم يبدأ عمل المخرج الصحفي سكرتير التحرير وتوزع الأعباء علي سكرتيري التحرير لمتابعة الصفحات مع أقسام الجريدة المختلفة‏..‏ وتبدأ جلسات رسم المشروعات التخطيطية للصفحات مع مستوي الصفحات المختلفة فيوزع المخرج الصحفي ما يأتيه من المواد الصحفية علي المشروع التخطيطي للصفحة المعروف باسم الماكيت بناء علي الماكيت الأساسي أو المبدئي للجريدة المتفق عليه سلفا والذي يحدد شكل وسياسة الجريدة‏.‏ ثم تبدأ بعد ذلك تفاصيل عمل سكرتير التحرير من تحديد حجم ومساحة المتن وحجم حروفه وعناوينه وهو مايعرف باسم التبنيط‏.‏ وبعد اختيار
الأبناط يحدد المخرج اتساع السطر الخاص بالمتن والعناوين وعدد الأعمدة التي ستنشر عليها‏.‏

وبالنسبة للصور والرسوم يختار المخرج منها ما يصلح للنشر والأفضل لخدمة المضمون ثم يحدد مكانها من الصفحة والموضوع بعد تحديد حجمها وشكلها وكيف ستنشر‏:‏ هل كبيرة؟ أم صغيرة؟ مدورة؟ مربعة؟ مفرغة؟ هل سينشر تفصيلا منها؟ أم كلها؟ داخل اطار أو بدون اطار؟ ثم يحدد مقاس الصورة بالطريقة التي تعلمها‏,‏ وسكرتير التحرير المدرب يفعل ذلك بشكل تلقائي دون الحاجة أحيانا الي أدوات مساعدة‏.‏
وترسل بعد ذلك المواد الصحفية الي الاقسام المختصة للتعامل معها‏..‏ فالمتن يرسل الي قسم الجمع أو الصف‏..‏ والصور والرسوم ترسل الي الزنكوغراف أو الـ سكانر ويرسل تصميم الصفحة أو الماكيت الي قسم المونتاج‏.‏

ويتابع المخرج صفحات الجريدة في التنفيذ عن طريق متابعة كل الاقسام المعنية والمشاركة عن اعلانات وتحرير مطابع بأقسام المختلفة لحين صدور الجريدة وعليه التنسيق الذكي بين عمل الجميع وبسلاسة لاتعرقل سير العمل وعليه حل كل ما قد يصادفه من مشاكل ـ وهي كثيرة حتي تحافظ الجريدة علي موعدها اليومي مع القاريء دون تأخير‏.‏
ولكن‏..‏ هل للاخراج مذاهب؟‏.‏ وهل له مدارس اخراجية؟ ينبغي هنا أن نوضح وبسرعة للقاريء أن للاخراج حتي الآن ثلاثة عشر مذهبا غير ما قد يستجد يتعامل معها المخرج الصحفي جميعا ويختار بينها ويوائم ويعدل بما يتفق مع الشكل العام للجريدة أو ما يعرف بالماكيت الأساسي‏.‏

من هذه المذاهب الاخراج الكتلي
ويتم بتقسيم الصفحة الي مستطيلات أو كتل تضم المتن والصور والعناوين وهو اسلوب سهل وسريع ويكثر استخدامه في المادة الخبرية السريعة والمتغيرة‏,‏ بحيث ترفع كتلة وتوضع مكانها كتلة أخري في حالة تغير الخبر‏.‏
والاخراج غير المنتظم
ويقسم الصفحة الي عدد من الأشكال المتداخلة المملوءة بالزوايا أو ما يسمي السلالم المتداخلة‏.‏
والاخراج الاستاتيكي
وهو الاخراج الثابت بحيث تتغير المادة في كل مرة ولكن داخل شكل ثابت للصفحة‏.‏
والاخراج الديناميكي
أو المتحرك وفيه تنتقل المادة من أسفل الي أعلي أو العكس بحسب حجم الاعلانات وحجم المادة الصحفية كما تتحرك من اليمين الي اليسار أو العكس ايضا تبعا للظروف‏.‏
والاخراج الرأسي
الذي يبدأ توزيع مواد الصفحة من أعلي إلي أسفل‏.‏
والاخراج الافقي
وفيه توضع مواد الصفحة من اليمين الي اليسار‏..‏ وهكذا‏.‏
والاخراج الرباعي
وفيه يقسم المخرج صفحته الي أربعة أقسام منفصلة ثم يبدأ في التعامل مع كل قسم علي أنه صفحة مستقلة بشرط تحقيق التجانس بين الأقسام الأربعة‏.‏
والاخراج القطري
ويتم بتوزيع المادة في الصفحة بشكل قطري أو محوري من اليسار أعلي الصفحة الي أسفل اليمين أو من أعلي اليمين الي اسفل اليسار وهو اسلوب يرتبط أساسا بتشريحة حركة العين‏..‏
واخراج الأطر أو البراويز ويستعمل للابراز وفيه توضع المادة الصحفية داخل برواز من جدول معين أو علي شبكة‏.‏
اخراج الدعاية وفيه تستخدم كل المبالغات الاخراجية مع حشد كل العناصر التيبوغرافية من جداول وشبكات وأشكال بهدف جذب الانتباه والاثار وتستعمله عادة الصحف الصغيرة أو بعض صحف المعارضة أو الصحف الشعبية‏.‏
الاخراج المتماثل ويعتمد علي التماثل الشديد في توزيع المادة بحيث توضع الكتل متوازية أو متناظرة وكذلك الأشكال والصور‏.‏
الاخراج غير المتماثل وهو اخراج حر توزع فيه المادة بأي شكل المهم أن تتسع لها الصفحة بشرط ألا يؤذي توزيعها العين أو يحدث من الفوضي البصرية ما يمنع متابعة الصفحة والمواد الصحفية المنشورة بها‏.‏
الاخراج المختلط أو الاخراج السركي كيفما اتفق وفيه يستخدم المخرج أي فنون اخراجية يراها لمساعدته في رسم الصفحة والبعض يطلق عليه اسم الاخراج العشوائي وعادة ما يستعمل في حالة السرعة‏,‏ وتأخر رسم الصفحة لأي من الأسباب‏.‏
وللبروفيسور اميل كاردو وهو أحد أساتذة فن الاخراج الفرنسيين الذين أسسوا عددا من الجرائد‏,‏ والمجلات الفرنسية الكبري رأي في كل هذه المذاهب فهو يري أنه يمكن استخدامها جميعا‏.‏
لأنه ليست هناك وصفات جاهزة للاخراج والمهم هنا أن نراعي ثلاثة أشياء‏:‏
أولها‏:‏ ثقافة المخرج الفني وذوقه وحسه الفني
وثانيها‏:‏ عدم الوقوع في الأخطاء التي تربك القاريء

وثالثها‏:‏ مراعاة أكبر قدر من الوضوح والسهولة والتيسير علي القاريء ومساعدته علي قراءة صحيفته في يسر وسلاسة‏.‏
وهناك قواعد لابد أن يلتزم بها المخرج الصحفي عند اخراج صفحته تلقنها أجيال المخرجين بعضها لبعض مثل تجنب النصوص الطويلة التي تسبب الملل وذلك بحذف الحشو التطويل الاستطرادات التي لالزوم لها ويتم ذلك بالتنسيق بين المخرج ومسئول الصفحة‏.‏

وتجنب قطع النصوص بالصور أو الرسوم بمعني ألا تقطع الصور والرسوم استرسال النص فيبين وكأنه أكثر من نص واحد‏.‏
ومراعاة البواقي والتتمات عند اخراج الصفحة الأولي بحيث توضع كلها في صفحة واحدة‏,‏ تيسيرا علي القاريء‏..‏ والأفضل بالطبع الاستغناء عنها والوقوف بالخبر في الصفحة الأولي والاكتفاء باشارة في آخره الي موضوع اكثر توسعا وتفصيلا في صفحة داخلية‏.‏

إراحة العين بالفصل بين الفقرات بالمساحات البيضاء والاكثار من الفقرات بشكل يلغي المقاطع الطويلة المملة والتوسيع بين الأسطرا لتسهيل القراءة وتجنب الجمع علي مساحات عريضة تتعب القاريء وهو في النهاية هدف كل جريدة وجمهورها الذي يشكل حجم نجاحها وانتشارها وقوتها‏.‏
‏..‏ انها رحلة عذاب جميل عمر‏125‏ عاما عانقت شباب‏6‏ أجيال صحفية من المخرجين الممتازين الذين يواصلون العطاء بكل الحب والصبر والأمل في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة‏..‏ وصاحب الجلالة الأهرام‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق