القانون لا يكفى.. ومواجهة جرائم الأسرة تبدأ بالتخلى عن «الأنتريه والستائر على مين»
صورة تعبيرية
ليست المسألة قانونية فقط، لكنها تحتاج إلى برنامج وطنى توعوى بحقوق الطفل باعتباره مستقبل الدولة المصرية، ولا بد من حمايته من أى عنف حتى لو كان لفظياً.. هكذا اتفق قضاة ومحامون وقانونيون، لافتين إلى أن قانون العقوبات المصرى يأتى فى ترتيب مرتفع بين الدول التى يكفل القانون بها عقوبات رادعة وكافية للحد من انتشار الجرائم ومنع ارتكابها، إلا أن جرائم الأسرة، بحسب القانون، قد تفلت من عقوبة الإعدام أحياناً، لذا طالب بعضهم بتغليظ العقوبة فى التعديلات المطروحة على القانون.
وقال محمود البدوى، المحامى بالنقض والدستورية العليا وعضو الفريق الوطنى لمناهضة العنف ضد الأطفال، إن المسألة ليست قانونية بحتة، ولا تحتاج إلى تغليظ أى عقوبات، فالردع القانونى موجود بالفعل بحسب قانون العقوبات المصرى، وأوضح أن هناك حالات قتل تصل العقوبة فيها إلى الإعدام، وأن قانون العقوبات يجرم التعذيب بالأساس، وشرح أن الحل الأمثل لمواجهة جرائم العنف الأسرى، التى تبدأ بالضرب والإهانة، وتصل إلى التعذيب والقتل، هو أن تتم مواجهتها ببرنامج وطنى لتوعية الناس بحقوق الطفل، لأنه مستقبل الدولة، والعمل على تعزيز فكرة الإرشاد الأسرى، فبدلاً من «الخناقات» حول من يتحمل تكلفة الستائر والأنتريه خلال الاتفاق على الزواج، يجب أن يكون هناك تفاهم بين الطرفين، وهو الأمر الذى لا بد ألا تغفله الأسر، فعدم التفاهم أو عدم الملاءمة بين الطرفين المقبلين على الزواج سيتبعه بالضرورة حياة أسرية ممزقة: «رأيت زوجة ألقت ببنتيها لزوجها وطالبته بترك عمله والتفرغ لرعايتهما لأنها حصلت على منحة للدراسة بالخارج».
وأشار «البدوى» إلى أن ظاهرة العنف كانت فى السابق «ظاهرة مجتمعية يمارسها أغراب عن الفرد»، لكنها تحولت بشكل مرعب إلى أن الطفل لا يشعر بالأمان داخل أسرته، الأمر الذى يستوجب تبصير الناس بالقانون، وتعريفهم بأسباب التشريع من ناحية، والوقوف على أسباب الجرائم والعمل على اجتثاث جذورها لخلق إطار أوسع للتعاون من ناحية أخرى، سواء مع الإعلام أو المؤسسات العلمية أو دور العبادة.
موضوعات متعلقة
«بدوى»: نحتاج إلى برنامج وطنى لتوعية الناس بحقوق الطفل.. و«فوقى»: انتشار الجريمة مؤشر لتدهور الحالة الاقتصادية وغياب الرقابة
وأوضح المحامى الحقوقى أحمد فوقى، أن القانون المصرى كفل عقوبات رادعة وكافية للحد من انتشار الجرائم ومنع ارتكابها، واستشهد بالمادة رقم 80 فى الدستور، والتى تتضمن حظراً كاملاً لاستخدام العنف، حتى اللفظى، ضد الأطفال، كما أن قانون الطفل المصرى يحميه من جميع أشكال العنف بكل صورها، مشيراً فى الوقت ذاته إلى ضرورة الوعى بأن انتشار الجريمة مؤشر لتدهور الحالة الاقتصادية ونقص التوعية، خاصة الوعظ الدينى وتغافل الدور الرقابى، منوهاً بأن جريمة قتل الابن أو أحد أعضاء الأسرة شأنها شأن جريمة قتل الغريب، فالفعل واحد والجزاء واحد.
وقال «فوقى»، لـ«الوطن»، إن القانون المصرى يأتى فى ترتيب مرتفع بين الدول التى يكفل القانون بها عقوبات رادعة وكافية للحد من انتشار الجرائم ومنع ارتكابها، وقد تصل فى كثير من الأحيان إلى الإعدام، مستشهداً بالمادة 295 من قانون العقوبات، وأضاف أن المادة 7 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية جاءت لحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، متابعاً: «يجب توحيد جهود المجتمع المدنى والدولة للحد من تلك الجرائم، وتطبيق الردع الكامل، لتحقيق العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع ككل، حتى لا تتكرر مثل هذه الظواهر الإجرامية لحماية المواطنين ومنع ترويعهم».
وقال الدكتور إبراهيم نايل، أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق جامعة عين شمس، إن المشكلة تكمن فى أن جرائم القتل الأسرى أحياناً تفلت من عقوبة الإعدام، خاصة إذا لم تكن مقترنة بسبق الإصرار والترصد، أو بغرض السرقة وخلافه، وأضاف أن هذه المهمة يجب أن يتولاها مجلس النواب وأن يضعها فى الاعتبار خلال مشروع التعديلات المطروحة على القانون، ومن المرتقب موافقة البرلمان عليها فى دور الانعقاد المقبل.
«نايل»: جرائم القتل الأسرى تفلت أحياناً من الإعدام وتعديل القانون بتغليظ العقوبة هو الحل.. و«كبيش»: المجتمع يعانى اختلالاً فى العلاقات
وأرجع الدكتور السيد عتيق، أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق جامعة حلوان، انتشار هذه الجرائم برغم وجود قوانين رادعة تصل للإعدام، إلى غياب التوعية، والتعليم، والثقافة، وقال «عتيق»، إن أغلب الجرائم التى ارتُكبت جاءت من فئات غير متعلمة، لافتاً إلى أن اقتران الجهل بالعوامل السابقة دفع إلى زيادة معدلات تلك الجرائم، وأكد أن أحد أخطر أسباب الظاهرة هو انتشار مشاهد العنف والقتل وإخفاء الجريمة فى جميع الأفلام والمسلسلات، دون اهتمام من القائمين على تلك المؤسسات بمدى تغير سلوك الشباب نحو العنف بعد مشاهدتهم لهذا المحتوى العنيف.
وطالب المستشار عبدالستار إمام، رئيس محكمة الجنايات الأسبق وعضو مجلس إدارة نادى القضاة، بدراسة ظاهرة الجرائم الأسرية، والتى برزت فى الآونة الأخيرة، سواء قتل الزوجات أو الأبناء أو الآباء، وقال «إمام» إن الفترة الأخيرة شهدت تغيرات فى سلوك المصريين يحتاج إلى دراسة من المتخصصين فى علم الاجتماع لمعرفة أسباب زيادة جرائم القتل الأسرى ووضع مقترحات لعلاجها، وعرض هذه الدراسة على المسئولين بمجلس الوزراء، وتابع أن معالجة الظاهرة تشريعياً وقانونياً تحتاج فقط إلى تفعيل دولة القانون والسرعة فى تحقيق العدالة، وقال إن ذلك بدوره يتطلب تطوير منظومة العدالة لتحقيق الردع العام.
وأكد «إمام» أن العقوبات الموجودة حالياً كافية لمواجهة مثل هذه الجرائم، لكن المشكلة تبقى فى عدم سرعة الفصل فى القضايا، لذا يجب أن يكون من أول اهتمامات الدولة تطوير هذه المنظومة لتحقيق العدالة الناجزة، ما يجعل المجرم يفكر مئات المرات قبل ارتكاب جريمته لأنه رأى أن من سبقوه فى ارتكاب الجرائم تمت محاكمتهم بسرعة، دون أن يخل ذلك بضمانات المحاكمة العادلة.
وقال الدكتور محمود كبيش، عميد حقوق القاهرة الأسبق وأستاذ القانون الجنائى، إن المجتمع المصرى يشهد ظواهر جديدة تدل على خلل فى العلاقات الاجتماعية وتناقضات واهتزاز فى القيم، وأضاف أن العقوبات التشريعية لا يمكنها إعادة القيم التى افتقدها المجتمع، لافتاً إلى أن قانون العقوبات به الكثير من المواد التى تعاقب على ارتكاب أى جريمة، ولا يوجد ما يسمى بالجرائم الأسرية أو العقوبة الخاصة، وأوضح «كبيش» أن المجتمع يعانى اختلالاً فى علاقات الأسر، فلم تعد علاقة الأب أو الأم بأبنائهما كما اعتدناها، والحل فى هذه الحالة أن ندرس المشكلة اجتماعياً أولاً قبل دراستها قانونياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق