الأحد، 20 ديسمبر 2020

الجريمة الإلكترونية تنتشر.. والقضاة في حيرة بسبب التشريعات

الجريمة الإلكترونية تنتشر.. والقضاة في حيرة بسبب التشريعات
 
حنان بدوي
في دراسة صدرت مؤخرًا عن مركز المصريين للدراسات السياسية والاجتماعية أكد الدكتور عادل عامر أستاذ القانون أن الوسائل الإلكترونية المستحدثة مكنت الإنسان من ارتكاب العديد من الجرائم ضد الأشخاص والأموال، وضد الاسرار الاقتصادية والسياسية والعسكرية للدولة فكلما ازداد الاعتماد علي الحاسبات في المجالات الاقتصادية والإدارية زاد التعرض لمخاطر الغش والتجسس والسرقة والإتلاف العمدي، وغيره من الجرائم التي ترتكب عند إدخال البيانات إلي الحاسب اوعند تبليغ البيانات إلي مستخدميها او عند تخزين البيانات لحين استخدامها، أو اختراق البرامج الخاصة بها حتي أن جرائم القتل العمد قد ترتكب باستخدام شبكات الاتصال عن بعد.
عامر قال إن خطورة هذه الجرائم أنها قد تتعدي حدود المكان والزمان. بل تسنخدم التكنولوجيا الحديثة في الاتصالات في المزيد من التنصت والتلصص علي الحياة الخاصة والأسرار المالية. ويري أن الإخفاق في مكافحة الجرائم الالكترونية وإحكام السيطرة علي مرتكبيها يمكن أن يشل من تلك المعاملات بما يؤثر سلبا علي أنشطة الاستثمار وعلي الاقتصاد الوطني.

قصور
يوجد قصور في القانون سواء قانون العقوبات أو الاجراءات الجنائية عن مواجهة الجريمة الإلكترونية بحسب دراسة أعدها د.هشام عبد السيد الصافي محمد بدر الدين مدرس القانون العام بكليتي الحقوق جامعتي حلوان وبنها.. حول الجريمة الالكترونية حيث أدي التطور المتلاحق للانترنت وانتشار أجيال جديدة وأنواع مختلفة من أجهزة الحاسب الآلي إلي مضاعفة المخاطر والاعتداءات علي الحريات الشخصية والملكية الخاصة، بل وعلي مصالح الدولة.
وعلي الرغم من وجود بعض النصوص القانونية التي تحتويها قوانين تناولت بعض صور التجريم الإلكتروني، منها قانون الأحوال المدنية المصري رقم 143 لسنة 1994، قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002، قانون تنظيم الاتصالات 10 لسنة 2003، وقانون التوقيع الالكتروني 15 لسنة 2004، وقانون الطفل المعدل في 2008، إلا أن هذه القوانين لم تغط كافة صور التجريم الالكتروني، وهو ما كان له أثره السيئ علي المجتمع بسبب عدم توفير الحماية القانونية لأفراده خصوصا في ظل وجود مبدأ دستوري يحكم التجرم في مصر وهو مبدأ الشرعية الجنائية والذي ورد النص عليه في المادة 95 من الدستور المصري الحالي الصادر في عام 2014، والتي جري نصها علي أن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي ولا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون وهو ما يشكل معضلة قانونية يشرحها الدكنور هشام قائلا: 'مع وجود ذلك النص الدستوري وغياب النص التشريعي العقابي يصبح القاضي الجنائي في حيرة من أمره خصوصا عندما يعرض عليه فعل يشكل جريمة إلكترونية حيث لا يجد لها نصا صريحا يجرمها في قانون العقوبات'.

تعريف الجريمة
الدراسة التي قدمها د.هشام عُرَّفَتْ الجريمة الألكترونية بأنها 'الاعتداء غير القانوني الذي يرتكب بواسطة المعلومات الحاسوبية بغرض تحقيق الربح'، وهي 'كل فعل إجرامي متعمد أيا كانت صلته بالمعلومات ينشأ عنه خسارة تلحق بالمجني عليه أو كسب يحققه الفاعل'. وهي جريمة ترتكب عن طريق الإنترنت التي تعد حلقة الوصل بين كافة الأهداف المحتملة لتلك الجرائم كالبنوك والشركات بكافة أنواعها والأشخاص وغيرها، والتي غالبًا ما تكون الضحية. أما مرتكب الجريمة فهو مجرم ذو خبرة في استخدام الحاسب الآلي والانترنت.
والجرائم الالكترونية تتسم بالخطورة البالغة لأن الخسائر الناجمة عنها كبيرة جدًا ولأنها ترتكب من فئات إجرامية متعددة تجعل من الصعب معرفة الفاعل، ومن ثم تنطوي علي سلوكيات غير مألوفة. وتكون هناك صعوبة في التحري والتحقيق في هذه الجرائم ومن ثم محاكمة مرتكبها.

صور الجريمة الإلكترونية
بحسب تصنيف اتفاقية بودابست المتعلقة بالإجرام الكوني 'الإجرام المعلوماتي' والموقعة من الاتحاد الأوربي في 23/11/2001، والتي تختلف بعض الشيء عن الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات التي قامت فقط بسرد للجرائم الالكترونية علي سبيل المثال مثل جرائم استخدام وسائل المعلومات، وجرائم الاحتيال والإباحية، وجرائم الاستغلال الجنسي، وحرمة الاعتداء علي الحياة الخاصة، وما يتعلق بالإرهاب والجريمة المنظمة في حين كان تصنيف اتفاقية بودابست شاملاً ويضم الصور المتعددة للجرائم الالكترونية ومنها جرائم 'الولوج غير القانوني' وهو الدخول غير المشروع لنظام معلوماتي مملوك للغير 'القرصنة' أو جرائم الاعتراض غير القانوني ويتم فيها جريمة انتهاك الحق في الخصوصية باعتراض المراسلات الالكترونية والاتصالات الالكترونية الخاصة بالغير، أما جريمة الاعتداء علي سلامة البيانات فتكون بهدف تعطيل الجهاز أو محو وطمس بيانات الحاسب الآلي. أو الاعتداء علي سلامة النظام باستخدام الفيروسات.
إساءة استخدام أجهزة الحاسب: أي كل فعل مجرم قانونا يتم من خلال استخدام الحاسب الآلي.
الاتفاقية تناولت الجرائم المعلوماتية المتصلة بالحاسب وتتمثل في الاحتيال المعلوماتي أو التزوير و الغش المعلوماتيين. فيتم تحويل تلك الأموال في ثوانٍ معدودة من حساب إلي آخر وقد يؤدي ارتكاب مثل هذه الجريمة إلي إفلاس شركات أو بنوك كبري في الدولة. وقد تتعلق الجريمة بمحتوي الحاسب الآلي مثل نشر المواد الإباحية الخاصة بالأطفال وبيع الأطفال والاتجار فيهم والترويج لدعارة الأطفال. أو جرائم تخص الملكية الفكرية والاعتداء علي حقوق الغير.
أو انتحال شخصية، للاستفادة منها لارتكاب جرائمه. أو انتحال شخصية أحد المواقع باختراقه أو جرائم السب والقذف للمساس بشرف الغير وسمعتهم. لنصل إلي المواقع الإباحية والدعارة التي تحرض علي ممارسة الجنس للكبار والقصّر بنشر صور جنسية للتحريض علي ممارسة المحرمات وهناك التشهير وتشويه السمعة: حيث يقوم المجرم بنشر معلومات قد تكون سرية أو مضللة أو مغلوطة عن ضحيته، 'فردًا أو مؤسسة تجارية أو سياسية أو دينية'.
كما يقوم الإرهابيون باستخدام الإنترنت لاستغلال المؤيدين لأفكارهم وجمع الأموال لتمويل برامجهم الإرهابية، والاستيلاء علي المواقع الحساسة وسرقة المعلومات وامتلاك القدرة علي نشر الفيروسات. أما التجسس فقد تقوم به دول ومنظمات وشخصيات ضد مؤسسات وطنية أو دولية.

الشرعية الجنائية للجريمة الالكترونية
هل هناك تعارض بين الدستور وحماية المعلومات وبين الكشف عن الجريمة الألكترونية؟ تساؤل اهتمت الدراسة بالاجابة عنه بأنه علي الرغم من أن المادة 31 من الدستور المصري الصادر عام 2014 بها نص دستوري صريح يشير إلي وجوب الحفاظ علي المعلومات والبيانات الالكترونية، إذ جري نصها علي أن: 'أمن الفضاء المعلوماتي جزء أساسي من منظومة الاقتصاد والأمن القومي، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليه، علي النحو الذي ينظمه القانون'.
وقد كانت المشكلة أنه لم يكن يوجد في مصر تشريع عقابي متكامل خاص بالجرائم الالكترونية، فقط بعض النصوص القانونية المتناثرة في قوانين مختلفة تتحدث عن بعض العقوبات المرتبطة ببعض الجرائم الالكترونية منها قانون الاحوال المدنية المصري رقم 143 لسنة 1994 والمادة 74 من القانون والتي جاء في نصها: 'مع عدم الإخلال بأية عقوبة شديدة منصوص عليها في قانون العقوبات أو في غيره من القوانين، كأن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من اطلع أو شرع في الاطلاع أو حصل أو شرع في الحصول علي البيانات أو المعلومات التي تحتويها السجلات أو الحاسبات الآلية أو وسائط التخزين الملحقة بها أو قام بتغييرها بالإضافة أو بالحذف أو بالإلغاء أو بالتدمير أو بالمساس بها بأي صورة من الصور أو أذاعها أو أفشاها في غير الأحوال التي نص عليها القانون ووفقا للإجراءات المنصوص عليها فيه، فإذا وقعت الجريمة علي البيانات أو المعلومات أو الإحصاءات المجمعة تكون العقوبة السجن'، و المادة 75 من القانون التي تنص علي أنه يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد علي خمسمائة جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من عَطَّلَ أو أتلف الشبكة الناقلة لمعلومات الأحوال المدنية، أو جزءا منها وكان ذلك ناشئا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين واللوائح والأنظمة. فإذا وقع الفعل عمدًا تكون العقوبة السجن مع عدم الإخلال بحق التعويض في الحالتين، اما المادة 76 من القانون فتصرح بأنه: 'يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من اخترق أو حاول اختراق سرية البيانات أو المعلومات أو الإحصاءات المجمعة بأية صورة من الصور وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب'. كذلك قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 في بعض مواده ومنها حماية السرقات الأدبية عبر شبكة الإنترنت. كما نظم قانون تنظيم الاتصالات 10 لسنة 2003 بعض جرائم الإنترنت فنص في المادة 73 منه علي أن 'يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين، كل من قام أثناء تأدية وظيفته في مجال الاتصالات بإذاعة أو نشر أو تسجيل لمضمون رسالة اتصالات أو لجزء منها دون أن يكون له سند قانوني في ذلك. أو إخفاء أو تغيير أو إعاقة أو تحوير أية رسالة اتصالات أو لجزء منها تكون قد وصلت إليه. أو الامتناع عمدًا عن إرسال رسالة اتصالات بعد تكليفه بإرسالها. أو إفشاء أية معلومات خاصة بمستخدمي شبكات الاتصال أو عما يجرونه أو ما يتلقونه من اتصالات وذلك دون وجه حق'.

حيرة القاضي
القاضي في حيرة بسبب النصوص الكثيرة وعدم وجود نص عقابي للجريمة وهنا كان القاضي كما تشير الدراسة يجد نفسه مضطرًا للحكم بالبراءة علي مرتكبي وقائع الكترونية عبر الوسائل الالكترونية في شكل جرائم سواء ضد الدولة أو ضد مواطنيها، وذلك تطبيقا لمبدأ المشروعية، حيث لا يكون أمامه سوي تطبيق النصوص القانونية التقليدية الواردة في قانون العقوبات أو أية قوانين خاصة أخري معمولا بها علي بعض الجرائم الالكترونية في حالة عدم تعارضها مع هذه النصوص وإمكانية تطبيقها عليها، وذلك حتي لا يفلت الجناة من العدالة، وهو ما قد يمس مبدأ شرعية الجرائم خصوصًا في الجرائم الإلكترونية التي تأبي طبيعتها الخضوع للنصوص التقليدية.
مواضيع أخري قد تهمك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق