الأحد، 20 ديسمبر 2020

العنف الاسري في المجتمع المصري

العنف الاسري في المجتمع المصري
الدكتور عادل عامر
وقد عرفت البشرية العنف الأسري من قديم الزمن عندما قتل قبيل آخاه هابيل فإن ظاهره العنف الأسري لها أشكال عديدة فهناك العنف الذي يتعرض له الأطفال سواء بالإهمال وسواء التربية أو الضرب والتعذيب وهناك العنف المتبادل بين الآباء والأولاد وبين الآباء والأمهات وبين الأخــوة والأخوات بل وقد أمتد العنف خارج نطاق الأسرة الصغيرة إلي الأقارب والأصهار من عــــداوة وعنف في ما بينهم وهناك العنف الذي تتعرض له الزوجات من الأزواج والمتمـــثل فـــــي سوء المعاملة والضرب والتعذيب وأن الأبواب المغلقة خلفها حكايات كثيرة وهذا النوع من العـــــنف يؤثر على الأولاد وبالتالي على المجتمع ككل. وقد طفت على السطح حديثاً ظاهرة العنف الجنسي الذي تتعرض لها المحارم بارتكاب الفحشاء معهم. بل هناك ظاهرة خطيرة للعنف الأسري والمتمثلة في آيذاء كبار السن من الآباء والأمهات سواء بالضـــرب أو الأهانة أو بتركهم بدون رعايـة أو حمايـــــــــــــة. إن سلوك العنف لا يعني مجرد تسمية شخص اعتدى على آخر بل الأمر يتوقف علـــــى الخبرات الاجتماعيــــة والنفسية التي يمر بها هذا الشخص وعلى ذلك تكون الأسباب المؤدية إلي العنف داخل المجتمع هي الظـــــروف الاجتماعية.
كما أن مرحله التنشئة الاجتماعية والذي يتضمن تعليم الصبية الخشونة والصلابة بحيث يمكنهم الاعتماد علـــــى أنفسهم. وعندما يشب الصبية ويصبحون رجالاً يواجهون معظمهم مواقف تتطلب إما استجابة عنيفة أما شعوراً لا يمكــن الفرار منة وهو الفشل في أثبات رجولتهم. كما أنه ناتج عن الإحباط الذي يصاب به الأفراد داخل المجتمع الواحد لعدم المساواة بين الفقراء والأغنيـــــــاء. لذلك لايمكن التقليل من شأن الظروف الاجتماعية التي يمكن أن تشكل التعبير عن نوع معين من السلوك وتتعدد المداخل الاجتماعية والخبرات النفسية التي يمر بها الشخص. كما أن العنف أحد إفرازات البناء الاجتماعي حيث يحدث العنف عندما يفشل المجتمع في تقديم ضوابط قوية على سلوك الأفراد مما ينتج عنه الإحباط الذي يصاب به الأفراد داخل المجتمع الواحد نتيجة عدم المساواة بين الأفراد وعلى ذلك يكون العامل الرئيسي للعنف الأسري داخل المجتمع هي ظروف التنشئة الاجتماعية.
التنشئة ألاجتماعية هي عملية تعلم وتعليم وتربية وتقوم على التفاعل الاجتماعي. وتهدف إلي اكتساب الفرد سلوكاً ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها وتكسبه الطابع الاجتماعي وتيسر له الاندماج في الحيـــــــــاة الاجتماعيـــة . وهي عملية تعلم اجتماعي يتعلم فيها الفرد عن طريق التفاعل الاجتماعي. وهي عملية نمو يتحول خلالها الفرد من طفل يعتمد على غيرة متمركز حول ذاته لا يهدف في حياته إلا إلـــــي إشباع حاجاته إلي فرد ناضج يدرك معنى المسئولية الاجتماعية ويستطيع أن يضبط انفعالاته ويتحكم في إشباع حاجاته بما يتفق والمعايير الاجتمـاعية ويدرك قيم المجتمــــــــــــع ويلتزم بها. وهي عملية مستمرة لا تقتصر فقط على الطفولة ولكنها تستمر مع المراهقة والرشد والشيخوخة ودائمــــــاً الفرد خلال مراحل نموه ينتمي إلي جماعات جديدة لابد أن يتعلم دوره الجديد فيها ويعدل سلوكه ويكتسب أنماط جديدة من السلوك . فإذا كانت عملية التنشئة الاجتماعية لها الأهمية الكبرى في تحديد معالم الشخصية المبكرة للفرد ولكنها مقرونـة بعوامل آخري مؤثرة في التنشئة الاجتماعية. أن 92%من الجرائم الأسرية تندرج تحت ما يسمى بجرائم الشرف 70% منها ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم بينما ارتكب الآباء 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم والنسبة الباقية وهى 3% ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم، واتضح أن 70% من هذه الجرائم اعتمدت على الشائعات، وكشفت تحريات المباحث فى 60% منها أن السبب سوء ظن الجانى بالضحية، وأنها ليست فوق مستوى الشبهات.
. وعن أداة الجريمة قالت الإحصائية، إن 52% من هذه الجرائم ترتكب بواسطة السكين أو المطواة أو الساطور، وإن 11% «إلقاء من مرتفعات» و8% بالسم و5% بالرصاص و5% تعذيب حتى الموت. وعن تطور العنف وزيادته داخل البيوت أكدت الإحصائية أن الضرب احتل نسبة 29.5%، وجاء أسلوب التوبيخ والسباب فى المرتبة الثانية بنسبة 24.1%، ثم أسلوب الحرمان من الأكل أو المصروف بنسبة 20.8% والنصح والإرشاد بنسبة 18.2% والضرب باستخدام آلة 6.3% والتوبيخ أمام الناس 9% واللسع بالنار 2% وارتفعت الجرائم العنف الأسرى خلال عام واحد إلى مليون و500 ألف «عنف» بمعدل 2741 حالة كل شهر. أنّ الجرائم المرصودة توزعت على 85 جريمة قتل، 15 جريمة سرقة، 11 جريمة اعتداء بالضرب. أما الدافع لارتكاب هذه الجرائم بحق الزوج، فكانت على خلفية خلافات أسرية بنسبة 65 في المائة، وخيانة الزوج بنسبة 15 في المائة، وخيانة الزوجة بنسبة 5 في المائة، والسرقة أو الاستيلاء على أموال الضحية بنسبة 15 في المائة.
أنه من بين تلك الجرائم كان هناك 91 جريمة ارتكبتها الزوجات، و4 جرائم وقع فيها الأبناء، و6 جرائم ارتكبها الأقارب، و6 أخرى قامت بها خادمات الضحايا، علاوة على 4 جرائم لم يكن فيها صلة بين الجاني والمجني عليه.
أما بشأن أدوات الجريمة؛ فقد استُخدم السم كأداة لاستخدام العديد من هذه الجرائم، وكانت أهم المواد المسممة هي تيتانوس، صبغة الشعر، المبيدات الحشرية، كما استُخدمت الأسلحة النارية كالمسدسات، علاوة على الاستعانة بالبنزين، والكيروسين، والأسلحة البيضاء كالسكاكين والسواطير، والمطاوي. أنّ من بين الجرائم كان هناك 63 جريمة وقعت بالقاهرة، و24 بالجيزة، و2 بقنا، و4 بالإسكندرية، و3 بالمنيا، وواحدة بكل من سوهاج وأسيوط، و2 بالفيوم، و11 جريمة مجهولة المكان. وفي ما يمنح الانطباع بتركز هذا النوع من الاعتداءات في الأوساط غير المتعلمة؛ كانت هناك 69 جريمة قد ارتكبت من غير المتعلمين، و16 جريمة على أيدي متوسطي التعليم، و7 جرائم ارتكبها أصحاب المؤهلات العليا، وجريمة واحدة لحاصلة على الدكتوراه، في ما كانت هناك 18 جريمة لم يحدّد المستوى التعليمي لمرتكبيها. أنّ الدراسة تنذر بارتفاع معدل العنف ضد الرجال، أنّ الأمر ناتج عن سوء الأحوال المعيشية في المقام الأول، والانفتاح الإعلامي والثقافي الذي تشهده مصر منذ مدة، :
ان أسباب انتشار جرائم العنف الأسرى ضد المرأة فى المجتمع المصرى مع واقع دوافعهم ومبرراتهم لارتكاب جرائم عنف ضد المرأة .حيث برزت العوامل الاقتصادية كأهم تلك الدوافع والأسباب الكامنة وراء وقوع هذه الجرائم ,تمثلت هذه العوامل فى الضغوط الحياتية والظروف الاقتصادية الخانقة وكذا تطلعات المرأة الاقتصادية ونزعتها الاسرافية فى الاستهلاك . أما العوامل الاجتماعية فقد حلت فى المرتبة الثانية بالنسبة للأسباب والعوامل المؤدية إلى ارتكاب جرائم العنف الأسرى ضد المرأة, وكانت الخلافات الأسرية وإصرار المرأة على طلب الطلاق أبرز هذه العوامل الاجتماعية المؤدية إلى حدوث هذه الجرائم . فى حين حلت العوامل الثقافية كثالث أهم العوامل المؤدية إلى ارتكاب وحدوث جرائم العنف الأسرى ضد المرأة وكان فى مقدمتها الرغبة فى المحافظة على الشرف وبعض الأفكار والتقاليد المرتبطة بطبيعة المرأة ومكانتها فى المجتمع .
وتمثل هذا الخلل فى طغيان قيم جديدة وتراجع قيم أصلية استقرت فى المجتمع فترات طويلة حيث تشير عينة الدراسة إلى انتشار القيم الاستهلاكية والانتهازية وانتشار الفساد والقيم الثقافية الغربية ,الأمر الذى تزامن فى الوقت ذاته مع تراجع وضعف القيم الدينية وغياب القدوة والمثل الأعلى وانتشار الاختلاط مع خروج المرأة للعمل . ولقد أدى هذا الخلل القيمى إلى ظهور العديد من السلوكيات السلبية والمنحرفة كان أبرزها من وجهه نظر العينة . شيوع ظاهرة الإدمان وانتشار السلبية واللامبالاة وزيادة الاستهلاك الترفى إضافة إلى انتشار العنف داخل المجتمع المصرى . ولقد كان لهذا الخلل القيمى ولشيوع مثل هذه السلوكيات المنحرفة أكبر الأثر فى انتشار جرائم العنف الأسرى ضد المرأة العنف الأسري جزء من ظاهرة العنف ضد المرأة، يشمل العنف البدني والجنسي والنفسي والاقتصادي الذي يحدث في إطار الأسرة من بعض أفرادها الذين لهم سلطة أو ولاية أو علاقة بالمجني عليها. والغالب أن تكون المرأة ضحية العنف الذي يمارسه الزوج أو الأب أو الأبناء أو الأقارب.
والعنف الأسري ضد المرأة لا يقتصر على فئة معينة، ولا على طبقة اجتماعية دون سواها، ويشمل العنف الأسري المرأة المتعلمة وغير المتعلمة، العاملة وغير العاملة. كما أن العنف الأسري ضد المرأة لا علاقة له بالدين، فالدين لا يمكن أن يبرر أي صورة من صور العنف.
ويتخذ العنف الأسري أشكالاً مختلفة منها:
أ – إساءة معاملة المرأة ومحاولة السيطرة عليها وتهديدها الدائم بالاعتداء عليها.
ب- الإساءة البدنية بالضرب أو الجرح أو إحداث الإصابات بها بأي صورة مثل ختان الإناث.
ج- الإساءة الجنسية التي تتمثل في المساس بحصانة جسمها عن طريق الاغتصاب وهتك العرض والتحرش الجنسي.
د- الإساءة النفسية أو العنف النفسي الذي يهدف إلى إذلال المرأة وإهانتها وزعزعة ثقتها بنفسها.
هـ – الإساءة الاقتصادية بحرمان المرأة من حقوقها المالية عن طريق السيطرة على موارد الأسرة أو حرمان المرأة من الميراث في بعض الأوساط الاجتماعية.
ويعاقب القانون على غالبية صور العنف الأسري في نصوص متفرقة. لكن هناك بعض أشكال العنف الأسري التي لا تشملها نصوص القانون صراحة، مثال ذلك:
أ- حرمان المرأة من الميراث، ويقتضي تدخلاً تشريعياً لتعديل قانون المواريث بإضافة مادة جديدة تعاقب من يحرم أحد الورثة الشرعيين ذكراً كان أو أنثى من حقه الشرعي في الميراث.
ب- ضرب الزوجات ضرباً مبرحاً يحدث بهن إصابات شديدة تحت ستار حق التأديب الذي يمارسه الزوج ضد زوجته. وقد رأينا أن القانون المصري لا يخرج ضرب الزوجة من مجال التجريم، لكن الأمر يحتاج إلى توضيح.
3- ضرب الأطفال الذي يدخله البعض في نطاق حق التأديب المقرر للأب، وقد تحدث فيه تجاوزات تصل إلى حد إحداث الوفاة أو إصابات جسيمة.
4- ختان الإناث وقد رأينا أن القانون لا يجرمه بنص صريح ويحتاج إلى تدخل تشريعي قد يكون صعباً في الظروف الراهنة. ويجب أن يشمل التجريم ولي أمر الفتاة الذي يوافق على إجراء الختان باعتباره شريكاً بالإنفاق في هذه الجريمة. كما يشمل العقاب كل من حرض علناً على ختان الأنثى.
5- إجبار الفتيات على الزواج المبكر، وهو سلوك يرتكبه أفراد الأسرة لا يعاقب عليه القانون صراحة.
6- اغتصاب الزوجة، ويدخل في نطاق جناية الاغتصاب في قانون العقوبات المصري، لأن نصوص الاغتصاب تعاقب “من واقع أنثي بغير رضاها” دون تمييز بحسب علاقة الذكر بالأنثى. وبناء عليه يشمل النص في صياغته الراهنة اغتصاب الزوج لزوجته إذا واقعها بغير رضاها الحر، لعدم التفرقة بين المعاشرة الجنسية القسرية التي تقع على الزوجة من زوجها أو الممارسة الجنسية القسرية التي تقع من الرجل على امرأة غير زوجته. وقد يرى البعض أن هناك آراء في الفقه الإسلامي تجيز للزوج مواقعة زوجته من دون رضاها، لكن القانون لم يأخذ بهذه الآراء عندما صاغ المادة 267 من قانون العقوبات. ولو أن المشرع أراد تبني هذه الآراء لكان النص قد عكس ذلك بقوله ” من واقع أنثى عدا زوجته بغير رضاها يعاقب …”، لكنه لم يفعل ذلك مما يدل على اتجاه القانون إلى اعتبار إتيان الزوجة كرها عنها جريمة اغتصاب، وهو ما يتفق مع إنسانية المرأة وكرامتها ويحترم حقوقها الإنسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق