الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019

متى يكافح القانون المصري التمييز ضد المرأة ؟

مكافحة القانون المصري للعنف والتمييز ضد المرأة (المأمول)

vawمقدمة:
إذا كان القانون المصري يقرر حماية جنائية للمرأة في مجالات كثيرة، إلا أنه توجد مجالات أخرى يلزم تدعيمها بالحماية الجنائية، كما يلزم تدخل المشرع الجنائي في مجالات محددة من أجل حماية المرأة من بعض صور العنف التي لا تزال تمارس ضدها. وأخيراً توجد نصوص جنائية تميز بين الرجل والمرأة في التجريم والعقاب بالمخالفة للاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز ضد المرأة والشريعة الإسلامية ذاتها.
ويلاحظ أنه بالنسبة لبعض صور العنف أو التمييز حدث تدخل تشريعي، لكنه لم يكن بالقدر الكافي مراعاة لاعتبارات تفرضها ثقافة مجتمعية تمييزية ضد المرأة، ينبغي العمل على تغييرها بالتوعية وبغيرها من الوسائل، ومنها سلاح التجريم والعقاب.
ونعرض فيما يلي لبعض المجالات التي لا تزال في حاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتغيير الأنماط السلوكية الخاطئة في مواجهة المرأة، سواء عن طريق التوعية أو التدخل التشريعي لضمان الحماية اللازمة لحقوق المرأة.
أولاً: التمييز ضد المرأة في نصوص التجريم والعقاب:
المجال الأساسي للتمييز بين الرجل والمرأة في مجال التجريم والعقاب يتعلق بجريمة الزنا في قانون العقوبات المصري. هذا التمييز يخالف المادة (2 – ز) من اتفاقية السيداو التي تلزم الدول بإلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة([1]). كما أن هذا التمييز يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية (مبدأ المساواة في التجريم والعقاب) وأحكامها الجنائية التي لا تميز بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا وعقوبتها، سواء العقوبة الحدية إذا توافر موجب الحد، أو العقوبة التعزيرية إذا انتفى موجب الحد. فالنص القرآني يسوى في قيام الجريمة بين “الزانية والزاني”، كما أنه يسوى في العقوبة الحدية بينهما، ويلتزم المشرع بالتسوية بينهما في العقوبة التعزيرية التي تطبق إذا لم يتوافر موجب تطبيق العقوبة الحدية.
فماذا يقرر قانون العقوبات المصري الذي اقتبس أحكام جريمة الزنا من قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة 1810؟ قانون العقوبات المصري لا يزال – حتى لحظة كتابة هذه السطور – يميز بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا من عدة وجوه:
أ- التفرقة بين الرجل والمرأة في قيام جريمة الزنا:
المرأة المتزوجة ترتكب جريمة الزنا أياً كان مكان حصوله، أي سواء حدث في منزل الزوجية أو خارج منزل الزوجية، وهو ما لا نعترض عليه لأن واجب الوفاء والإخلاص بين الزوجين لا يتقيد بمكان معين، بل هو مفروض دون تقيد بزمان أو مكان طالما رابطة الزوجية قائمة. لكن القانون لم يعترف بذلك بالنسبة للزوج، لأن جريمة الزنا لا تقوم في حق الزوج من الناحية القانونية إلا إذا كان قد ارتكب فاحشة الزنا في منزل الزوجية. فإذا زنا في غير منزل الزوجية، لا تتحقق بالنسبة له جريمة الزنا، إلا إذا كان قد زنا بامرأة متزوجة، حيث يكون شريكاً لها في جريمتها وليس فاعلاً أصلياً. أما إذا ارتكب الزنا في خارج منزل الزوجية مع امرأة غير متزوجة، فلا تقوم في حق أي منهما جريمة الزنا في ظل نصوص قانون العقوبات الساري.
ب- التفرقة بين الرجل والمرأة في عقاب الزنا:
لم يقنع القانون بمحاباة الرجل في مجال قيام الجريمة، لكنه سار في منهجه التمييزي بين الرجل والمرأة حتى بالنسبة للعقوبة المستحقة عن جريمة الزنا، فعقوبة الرجل أخف من عقوبة المرأة.
– الزوجة التي ثبت زناها، داخل أو خارج منزل الزوجية تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين (م274ع).
– الزوج الذي ثبت زناه في منزل الزوجية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور (م277ع). وهذا التمييز ممقوت، لأنه يشجع الرجل على الزنا مرتين: الأولي بإباحة الفعل إذا حدث في غير منزل الزوجية، والثانية بتخفيف عقابه عن عقاب الزوجة ولو خانها في منزل الزوجية.
ج – التفرقة بين الرجل والمرأة في عذر التلبس بالزنا.
تنص المادة 237 من قانون العقوبات على تخفيف عقاب الزوج الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا فيقتلها في الحال هي ومن يزني بها. ووجه التخفيف أن هذا الزوج لا يعاقب بالعقوبات المقررة للقتل العمد أو للضرب المفضي إلى الموت، وإنما يعاقب بعقوبة الحبس وحدها الأدنى 24 ساعة. وعلة التخفيف هنا حالة الغضب والاستفزاز الذي يسيطر على الزوج الذي يفاجئ زوجته متلبسة بالخيانة الزوجية، ولو كان ذلك في غير منزل الزوجية.
هذا العذر المخفف للعقاب لا تستفيد منه الزوجة التي تفاجئ زوجها متلبساً بالخيانة الزوجية، ولو كانت قد فاجأته في منزل الزوجية الذي تقيم فيه مع زوجها. هذه التفرقة بين الزوج والزوجة في الاستفادة من عذر تخفيف العقاب تبنى على فرضية غير إنسانية مؤداها أن الزوجة لا يقبل منها أن تنفعل وتتهور حين تفاجأ بشريك حياتها متلبساً بالخيانة في منزل الزوجية، بل الواجب عليها أن تسيطر على غضبها وانفعالها ، فلا تقدم على إيذاء زوجها أو من يزني بها، فإن تهورت وقتلته أو قتلت شريكته لا يخفف عقابها فتعاقب بعقوبة القتل العمد أي السجن المؤبد أو المشدد!
لذلك نرى أن التفرقة بين الزوج والزوجة تفرقة معيبة، لا سند لها من علة التخفيف، وهي سبب لعدم دستورية النص المقرر لهذا العذر المخفف للعقاب، كما أنها تفرقة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية.
ونأمل أن يسارع المشرع إلى إلغاء هذا العذر المخفف للعقاب، ليترك مسألة تخفيف عقاب الزوج أو الزوجة في هذه الحالة للسلطة التقديرية للقاضي الجنائي في إطار ما تقرره المادة 17 من قانون العقوبات، وهي تجيز للقاضي في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة النزول بالعقوبة المقررة للجناية درجة واحدة أو درجتين.
د- التفرقة بين الرجل وامرأة في الإجراءات في مجال المحاكمة عن الزنا:
يميز القانون المصري المرأة بأحكام خاصة في المجال الإجرائي الخاص بجريمة الزنا، وهو تمييز منتقد في تقديرنا.
1- يسقط حق الزوج في تقديم الشكوى ضد زوجته الزانية إذا كان قد سبق له ارتكاب الزنا في منزل الزوجية (م273ع). في هذه الحالة يكون للزوجة أن تدفع بعدم جواز محاكمتها عن جريمة الزنا لسبق ارتكاب زوجها لجريمة الزنا، وهذا حق مقرر للزوجة دون الزوج، بمعنى أن حق الزوجة في تقديم الشكوى ضد زوجها عن جريمة الزنا لا يسقط إذا كانت قد سبقته إلى ارتكاب فاحشة الزنا. وهذا الحكم معيب لأنه يقرر المقاصة في الفواحش والسيئات، فكأنه يقرر للزوجة حقاً في ارتكاب جريمة الزنا إذا كان زوجها قد سبقها إلى ذلك. وهذا حكم شاذ يبرر الفاحشة بفاحشة مثلها، ولذلك نرى ضرورة حذفه من التشريع المصري على الرغم من أنه يحقق مصلحة للمرأة، لكنها مصلحة غير معتبرة.
2- إذا صدر حكم بإدانة الزوجة عن جريمة الزنا، كان للزوج أن يوقف تنفيذ هذا الحكم إذا رضي بمعاشرتها له كما كانت قبل الحكم. ويعني هذا أن العفو عن عقوبة الزوجة حق للزوج لمصلحة زوجته، ولكن الزوجة لا يثبت لها حق العفو عن عقوبة زوجها إذا رضيت زوجته بمعاشرته لها (م274ع). وهذا تمييز منتقد بين الرجل والمرأة، لأنه يكرس دونية المرأة على الرغم من أنه تمييز يحقق مصلحتها، لكنه لا يراعى مصلحة الأسرة إذا رأت المرأة العفو عن زوجها بعد الحكم عليه حفاظاً على سمعة الأسرة ومراعاة لمشاعر أبنائها منه.
ثانياً: ختان الإناث
ختان الإناث أشد صور الاعتداء على السلامة البدنية للمرأة، لا تبرره ضرورة طبية أو فائدة صحية كما يؤكد أهل الاختصاص. ولا يمكن ربطه بالدين الإسلامي بأي وجه أو التذرع بالدين لتبريره، فهو يرتبط بمفاهيم وعادات اجتماعية خاطئة تتعلق بالنشاط الجنسي والضغوط الاجتماعية.
وتوجد مصطلحات زائفة ترسخ المفاهيم الاجتماعية الخاطئة عن ختان الأنثى، مثل “الطهارة” الذي يوحى بأن غير المختنة ليست طاهرة أو أن إيمانها ليس كاملاً. وقد اتخذت الجمعية العالمية لاتحاد أمراض النساء والتوليد قراراً أصدرته في سنة 1994 أدانت فيه ختان الأنثى لأضراره الصحية والنفسية والاجتماعية، وبوصفه يمثل اعتداء على حقوق الإنسان، لأنه ممارسة ضارة تجري على طفلة لا يمكنها إعطاء موافقة مبنية على المعرفة.
أ- الموقف الديني من ختان الإناث:
حسم الدكتور محمد سليم العوا المفكر الإسلامي مسألة حكم الدين في ختان الأنثى عندما قرر “أن حكم الشرع في ختان الأنثى أنه لا واجب ولا سنة، ولم يدل على واحد منهما دليل، وليس مكرمة أيضاً لضعف جميع الأحاديث الواردة فيه، بل هو عادة ضارة ضرراً محضاً لا يجوز إيقاعه بإنسان دون سبب مشروع”.
وتؤكد المرجعيات الدينية في مصر عدم وجود أي سند ديني يعول عليه لإقرار عادة ختان الإناث، فلم يرد في نص قرأني أو حديث متواتر، وإنما هو اجتهاد فقهي اختلف الرأي بشأنه. هذا فضلاً عن أن الموضوع ليس موضوعاً فقهياً يخضع لآراء واجتهادات الفقهاء، بل هو مسألة طبية لا يجوز لغير أهل الاختصاص حسمها، فقطع جزء من جسم إنسان خلقه الله لا يمكن أن يتقرر بآراء فقهاء الدين إلا أن يكون عقوبة ورد فيها نص شرعي قطعي الثبوت والدلالة. وليس ختان الأنثى عقاباً لها، بل هو اعتداء على سلامتها البدنية والنفسية، لا يجوز إلا باعتباره عملاً طبياً إذا قرر أهل الاختصاص ضرورته في حالة محددة بعينها.
ولو اتفق رجال الدين على جواز ختان البنات، فلن يكون ذلك حكماً شرعياً ولا واجباً، وإنما هو نتاج فكر بشرى في العصر الذي اتفقوا فيه. فإذا جاء العلم الحديث وأكد أهل الاختصاص فيه عدم صحة الحجج التي استندوا إليها لاتفاقهم على إباحته، وجب على ولي الأمر حظره وتجريمه. بل إنه يجب على رجال الدين في هذه الحالة أن يستنيروا بنور العلم ويعدلوا عن رأيهم وفتواهم بجواز ختان الأنثى، لا أن يصروا على ما قالوا بعد أن استناروا بنور العلم والمعرفة.
والدليل على أن الختان ليس له أصل في الدين الإسلامي أن هناك دولاً إسلامية لا تمارس عادة ختان البنات مثل دول الخليج ومنها السعودية مهبط الوحي وسوريا ولبنان وماليزيا وأندونيسيا. كما أن بعض المسيحيين العرب يمارسون عادة الختان، فهل هم يطبقون عادة إسلامية أو حكماً شرعياً؟
توجد قيادات دينية أزهرية في مصر تنفي وجود أي نص شرعي قطعي الثبوت والدلالة يوجب ختان البنات، وتؤكد أن الإصرار على ممارسته في بعض المناطق لا يخرج عن كونه عادة قديمة لا علاقة لها بالدين ولا يصح إلصاقها به لإكسابها شرعية وقبولاً لدى عامة الناس. وطالبت قيادات دينية إسلامية بضرورة حظر وتجريم ختان الإناث الذي لا يقره الإسلام، فقد طالب المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين المنعقد في القاهرة نهاية العام 2006 بحضور رجال دين من 23 دولة إسلامية بذلك.
وتؤكد القيادات الدينية المسيحية أن ما يسمى ختان الإناث ليس له أي سند ديني في المسيحية إطلاقاً، ولا سند أخلاقي ولا توجد آية واحدة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد تتحدث عن ختان الإناث. ويقرر رجال الدين المسيحي أن ما يسمي “ختان الإناث” خطأ وخطيئة، وهو ممنوع دينياً وإنسانياً وصحياً.
ب- موقف الهيئات المهنية من ختان الإناث:
تحذر نقابة الأطباء المصرية دوماً من قيام الأطباء بممارسة عادة ختان الإناث ، وتقرر الجزاءات المهنية لمن يمارسونها باعتبارها خروجاً على مقتضيات الواجب المهني.
لكن ما هي الأسباب التي تدفع بعض الأطباء إلى ممارسة عادة ختان الإناث، على الرغم مما يقرره بعضهم أنه لا توجد في مراجع الجراحة دراسة تتعلق بهذه الممارسة؟ هناك عدة أسباب أهمها:
1- وجود آراء لبعض رجال الدين التي تقدم دعماً لهذا السلوك، فتوفر لبعض الأطباء ذريعة دينية لممارسة هذه العادة.
2- اعتقاد بعض الأطباء أن واجبهم المهني يفرض عليهم ممارسة الختان لحماية البنات من الظروف السيئة التي يمكن أن تمارس فيها عادة الختان، فتعرض حياة البنات للخطر.
3- غياب حملة وطنية منظمة ومستمرة لتوعية العاملين بالقطاع الصحي والمواطنين بخطورة الختان وأضراره التي يكشف عنها العلم الحديث.
4- تدني دخل بعض الأطباء يجعلهم يبحثون عن مصادر لتحسين ظروفهم المعيشية دون اكتراث بالاعتبارات الأخلاقية أو الدينية أو الصحية.
5- غياب النص التشريعي المجرم مباشرة لختان البنات. فالقانون المصري يعتبره مجرد ظرف مشدد لعقاب جرائم الاعتداء على السلامة البدنية للإنسان وليس جريمة في ذاته، وهناك من يطالب اليوم بإلغاء هذا الظرف المشدد للعقاب رغم عدم فاعليته في مكافحة ظاهرة ختان البنات.
ج- ختان الإناث من المنظور الحقوقي الدولي والوطني:
1- ختان الإناث اعتداء على السلامة البدنية والنفسية للمرأة، لذلك تحظره المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بداية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
2- أدانت الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) كل صور العنف ضد المرأة، ودعت الدول الأطراف إلى ضرورة اتخاذ التدابير الملائمة للقضاء على هذه الصور.
3- نص إعلان القضاء على العنف ضد المرأة ( 1993) على اعتبار ختان الإناث من صور العنف الذي يحدث في إطار الأسرة، وألزمت المادة 4 من الإعلان الدول بإدانة هذا العنف ضد المرأة، وعدم التذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية للتنصل من التزاماتها بالقضاء عليه.
4 – أدانت منظمة الصحة العالمية في كل مؤتمراتها ختان الإناث لآثاره الصحية الضارة، ودعت الدول إلى تجريمه والعقاب عليه.
5 – اعتبرت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (لجنة سيداو) ختان الإناث من الممارسات الضارة بصحة المرأة وحقوقها وتمثل نوعاً من العنف ضد النساء، وأوصت اللجنة الدول الأطراف في الاتفاقية باتخاذ التدابير المناسبة والفعالة للقضاء على هذه الممارسة.
6- يعتبر المجلس القومي لحقوق الإنسان أن قضية ختان الإناث تعد من أبرز أساليب العنف ضد المرأة، فالفتيات مازلن يتعرض للختان في سن صغيرة، وهي عادة تعتبر انتقاصاً لكرامة المرأة وإنسانيتها، وتتجاوز نسبتها 90٪ من الفتيات.
7 – يولي المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة وكافة جمعيات حقوق الإنسان والمرأة في مصر قضية ختان الإناث اهتماماً بالغاً يتمثل في التوعية بمخاطره الصحية ومواجهة الدعوات والممارسات التي تروج لهذه العادة. ولا شك في أن هذه المنظمات سوف تواجه مقاومة ضارية لنشاطها في هذا الخصوص مع تنامي التيارات الدينية التي تشجع على ممارسة عادة ختان الإناث التي يلصقونها ظلماً وعدواناً بالدين الإسلامي.
د- الموقف التشريعي المصري من ختان الإناث:
1- نشير بداية إلى أن هناك دولاً عديدة في العالم، وفي القارة الأفريقية مصدر عادة ختان الإناث، وفي دول عربية وإسلامية أصدرت تشريعات تجرم هذا السلوك وتعاقب عليه.
2- وعلى الرغم من أن معركة المجتمع المصري ضد ختان الإناث قديمة بدأت منذ سنة 1920، بل قبلها حيث كان قانون العقوبات المصري سنة 1883 يجرم كل اعتداء على السلامة البدنية للإنسان ذكراً كان أو أنثى، إلا أن إرادة حسم القضية لم تكن أبداً صريحة وواضحة لدى المشرع.
3- أيد القضاء الإداري القرارات الصادرة من وزارة الصحة بحظر الختان للبنات في وحدات وزارة الصحة إلا في حالات استثنائية.
4- أخيراً أضاف القانون رقم 126 لسنة 2008 إلى قانون العقوبات نصاً متواضعاً في صياغته ومضمونه هو نص المادة 242 مكرراً الذي شدد عقاب جريمة الإيذاء العمدي إذا حدث الجرح عن طريق إجراء ختان لأنثى مع مراعاة حكم المادة 61 من قانون العقوبات الخاصة بحالة الضرورة. ويلاحظ على هذا النص الجديد ما يلي:
– أنه لم يجرم بطريقة مباشرة ختان البنات، وإنما اعتبر الختان ظرفاً مشدداً لعقاب جريمة إحداث جرح عمداً.
– أنه جعل حالة الضرورة مانعاً من موانع المسؤولية والعقاب على الختان للأنثى، وهو ما يفتح الباب واسعاً للتحايل على الحكم المستحدث بادعاء أن الختان كان ضرورياً لوقاية الأنثى من خطر جسيم على نفسها، والمعلوم أن الضرورات تبيح المحظورات.
– أنه أعطى القاضي سلطة تقديرية واسعة في الاختيار بين الحبس أو الغرامة، والغرامة حدها الأدنى ألف جنيه لا يتناسب مع ما يمكن أن يجنيه المتهم من الجريمة.
– أن النص المستحدث جعل موقف المتهم أفضل مما كان عليه في غياب النص. فقد استقر الفقه الجنائي على أن الختان يشكل اعتداء على السلامة البدنية للأنثى، وهو اعتداء يعاقب عليه قانون العقوبات، ويشدد العقاب إذا أدى هذا الاعتداء إلى وفاة المجني عليها، لأن الجريمة تكون جناية جرح عمد أفضى إلى وفاة المجني عليها (م 236 ع). وإذا اعتبرت الوفاة قتلاً خطأ، عوقب المتهم بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين والغرامة من مائة إلى خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.
– لازلنا نناشد المشرع التدخل للنص على تجريم ختان الأنثى بنص صريح دون استثناء، مع تشديد عقاب من يقوم بالختان من أصحاب المهن الطبية، وجعل عقوبة الحبس وجوبية في حالة العود أو إذا كان المتهم من المعتادين على ممارسة الختان للأنثى. لكننا لا نعول كثيراً في الوقت الحاضر على التدخل التشريعي في الاتجاه الذي نتمناه.
ثالثاً: الإجهاض
تجريم الإجهاض يحمي حق المرأة في الإنجاب ويحمي الصحة الإنجابية. لكن حماية صحة المرأة قد تفرض السماح بالإجهاض في حالات استثنائية. والقانون المصري يتشدد في تجريم الإجهاض، ويسايره في ذلك القضاء. لكن المبادئ القانونية العامة تجعل الإجهاض مبرراً في بعض الحالات.
أ- تجريم الإجهاض: الإجهاض جنحة في القانون المصري حسب الأصل. لكنه قد يكون جناية إذا تم بوسيلة من وسائل العنف أو إذا قام به أحد الممارسين للمهن الطبية. ولا يتطلب القانون انقضاء مدة معينة على بداية الحمل لتجريم الإجهاض، ولا يجوز الإجهاض الإرادي برضاء المرأة، ولا يتطلب القانون وسيلة معينة للإجهاض، ولا عبرة بالبواعث على الإجهاض، وتعاقب المرأة التي تجهض نفسها بنفسها دون تدخل من أحد.
ب- تشدد القضاء في عقاب الإجهاض: أحكام القضاء لا تستثنى من عقاب الإجهاض إلا الإجهاض الطبي لإنقاذ حياة الأم حين لا يكون هناك وسيلة أخرى لذلك غير التضحية بالجنين. وبناء عليه:
1- رفض القضاء إباحة إجهاض الجنين الذي لم يتجاوز عمره أربعة أشهر، لأن إباحة هذا الإجهاض في الشريعة الإسلامية ليس أصلاً ثابتاً في أدلتها المتفق عليها، وإنما هو اجتهاد للفقهاء انقسم حوله الرأي فيما بينهم.
2- قرر القضاء أن رضاء المجني عليها بالإجهاض لا ينفي مسؤولية من أجهضها ولا من اشترك معه في الإجهاض، بل تعاقب المرأة التي ترضي بأن يجهضها الغير.
3- قرر القضاء أن الإسقاط يعاقب عليه جنائياً ولو ارتكب قبل أن يتشكل الجنين أو تدب فيه الحركة، أي أياً كانت المدة التي انقضت منذ بداية الحمل.
ج- حالات الترخيص بالإجهاض: وقائع الإجهاض ليست قليلة في مصر على الرغم من قلة أحكام الإدانة فيها. وسبب قلة أحكام الإدانة أن الجريمة تقع في الخفاء، ولا تكتشف إلا إذا أدى الإجهاض إلى وفاة الأم، كما قد يكون سبب قلة أحكام الإدانة تفهم القضاة للظروف الصعبة التي تدفع بعض الأمهات إلى التضحية بفلذات الأكباد. ونشير أيضاً إلى أن التشدد في عقاب الإجهاض قد يدفع الراغبة فيه إلى اللجوء لغير المتخصصين مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر جسيمة على صحة الأم أو على حياتها. لذلك قد يكون من الملائم إعادة النظر في حكم بعض حالات الإجهاض مع الإبقاء على تجريمه. ونستعرض الحالات التي يمكن أن يثار فيها موضوع الإجهاض لبيان الرأي فيها:
1- الإجهاض العلاجي: تنص عليه صراحة بعض القوانين العربية مثل قانون الصحة العامة في الأردن الذي يقرر حق المرأة في الإجهاض في حالة وجود خطر على صحة المرأة أو في حالة تعرضها لخطر الموت بسبب الحمل. ويخلو التشريع المصري من نص صريح يرخص بهذا الإجهاض في هاتين الحالتين، عدا النص الوارد في لائحة آداب مهنة الطب، كما يمكن إجازته باعتباره عملاً طبياً. لكن من الملائم إجازته بنص صريح في قانون العقوبات حماية للأطباء الذين قد يترددون في القيام بهذا العمل العلاجي في ظل الصمت التشريعي.
2- الإجهاض دفعاً للعار: وهو الذي يتقرر إذا كان الحمل نتيجة اعتداء جنسي تعرضت له الفتاة، ولا يوجد نص في القانون المصري يرخص به، ويستقر الفقه المصري على عدم جوازه خشية إساءة استعمال الإجهاض. لكن خشية إساءة الاستغلال لا ينبغي أن تكون مبرراً للحظر المطلق في حالة الاعتداء الجنسي. لذلك نقترح الترخيص بالإجهاض في هذه الحالة بضوابط معينة، أهمها أن يقوم به الطبيب في المراحل الأولى للحمل بعد التأكد من حقيقة الواقعة عن طريق السلطات المختصة بالتحقيق فيها.
3- الإجهاض للتخلص من جنين مشوه أو مصاب بمرض خطير: لا يدخل في هذه الحالة أن يكون الجنين مصاباً بعاهة لا تخرجه من عداد الآدميين. لكن إذا كان التشوه يخرجه من عداد الآدميين أو إذا كان من المقطوع به أن الطفل سيولد غير قابل للحياة، فلا فائدة في استمرار الحمل إلى نهايته. لذلك نرى جواز إنهاء الحمل في هذه الحالة إذا قرر الأطباء عدم جدوى استمرار الحمل، بشرط أن يتم الإجهاض في المراحل الأولى للحمل.
4- الإجهاض لأسباب اجتماعية أو اقتصادية: إذا كانت الأسرة غير قادرة على تحمل ميلاد طفل جديد لكثرة أطفالها، فلا يباح الإجهاض في هذه الحالة لتعارضه مع المعتقدات الدينية، وحتى لا يكون الإجهاض بديلاً لوسائل تنظيم الأسرة التي تجيزها الأديان، أو وسيلة لاختيار نوع الجنين بالمخالفة للمبادئ الدينية والأخلاقية وحقوق الإنسان.
رابعاً: التحرش الجنسي:
التحرش الجنسي جزء من العنف ضد المرأة، تجرمه كثير من التشريعات الأجنبية سواء كان لفظياً أو بدنياً بنصوص صريحة وعقوبات رادعة. وتنتشر ظاهرة التحرش الجنسي في مصر على نحو يدعو إلى القلق، ولا تفلح نصوص القانون في ردع من يمارسون هذا السلوك، بل إن البعض يجتهد في إيجاد مبررات لشيوع هذه الظاهرة من سلوك الفتاة أو ملبسها أو مظهرها العام. ولهؤلاء نقول إن التحرش لا يستثنى أحداً، فالفتاة المحجبة مثل المنتقبة، والصغيرة مثل الكبيرة، والمتزوجة مثل غير المتزوجة، والمصرية مثل الأجنبية، والمسلمة مثل غير المسلمة. وحتى إذا سلمنا بأن مظهر الفتاة في بعض الأحيان لا يكون مناسباً، فعلاج ذلك لا يكون عن طريق التحرش بها، فالقول بذلك يحول التحرش من سلوك غير اجتماعي مجرم إلى عقوبة يطبقها المتحرش دون سند من القانون.
ولا يوجد نص في القانون المصري يستعمل صراحة تعبير التحرش الجنسي، لكن توجد عدة نصوص في قانون العقوبات المصري يمكن أن تطال بالعقاب أغلب صور التحرش، نذكر منها:
أ- النصوص الخاصة بهتك العرض: عندما يأخذ التحرش صورة المساس بجزء من جسم المجني عليها يعد من العورات، وهنا تكون الجريمة جناية (م 268، 269 من قانون العقوبات).
ب- النصوص الخاصة بجريمة السب العلني: عندما يتمثل التحرش في ألفاظ تخل بحياء المجني عليها (م306 من قانون العقوبات). ويعتبر من قبيل الأمور الخادشة للحياء اقتفاء أثر السيدات في الطرق العامة وتوجيه عبارات الغزل إليهن، سواء كان ذلك يتضمن مدحاً لهن أو حثاً على سلوك مخل بالحياء.
ﺠ- النصوص الخاصة بالفعل الفاضح العلني المخل بالحياء (م 278ع): فالفعل المخل بالحياء هو الذي يخدش في المجني عليه حياء العين والأذن، سواء وقع الفعل على جسم الغير أو على جسم المجني عليه، مثال ذلك تقبيل امرأة على وجنتيها علناً، أو الإمساك بيدها، أو ذراعها، أو وضع المتهم يده على خدها أو لمس شعرها.
د- التعرض لشخص على وجه يخدش الحياء: هذا سلوك تعاقب عليه المادة 306 مكرراً (أ) من قانون العقوبات، وتشدد العقاب في حالة العود. هذا النص يشمل التعرض للأنثى أو ما يطلق عليه التحرش الجنسي بالفتيات. وقد عدل هذا النص بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011 ليشمل التعرض للذكور والإناث وليشدد العقاب على هذا الفعل. ومع ذلك نرى ضرورة إفراد التحرش بالنساء بنص خاص يستعمل لفظ “التحرش” أو تعديل النص الحالي ليعاقب “كل من تعرض لأنثى أو تحرش بها على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل… الخ”([2]).
ونشير في الختام إلى أهمية وضرورة الوقاية من التحرش الجنسي عن طريق التوعية الدينية وفي مناهج التعليم، وكذلك توعية رجال الشرطة بكيفية التعامل مع الفتاة التي تلجأ إلى أقسام الشرطة للإبلاغ عن واقعة تحرش جنسي تعرضت لها كي لا تكون موضوعاً للسخرية أو الإهمال. ولا ننسي دور التربية الأسرية للشباب لحثهم على حماية كرامة الفتيات وعدم التعرض لهن وتدعيم ثقافة المساواة وتعميق قيمة الاحترام المتبادل بين الجنسين.
خامساً: العنف الأسري:
العنف الأسري جزء من ظاهرة العنف ضد المرأة، يشمل العنف البدني والجنسي والنفسي والاقتصادي الذي يحدث في إطار الأسرة من بعض أفرادها الذين لهم سلطة أو ولاية أو علاقة بالمجني عليها. والغالب أن تكون المرأة ضحية العنف الذي يمارسه الزوج أو الأب أو الأبناء أو الأقارب.
والعنف الأسري ضد المرأة لا يقتصر على فئة معينة، ولا على طبقة اجتماعية دون سواها، ويشمل العنف الأسري المرأة المتعلمة وغير المتعلمة، العاملة وغير العاملة. كما أن العنف الأسري ضد المرأة لا علاقة له بالدين، فالدين لا يمكن أن يبرر أي صورة من صور العنف.
ويتخذ العنف الأسري أشكالاً مختلفة منها:
أ – إساءة معاملة المرأة ومحاولة السيطرة عليها وتهديدها الدائم بالاعتداء عليها.
ب- الإساءة البدنية بالضرب أو الجرح أو إحداث الإصابات بها بأي صورة مثل ختان الإناث.
ج- الإساءة الجنسية التي تتمثل في المساس بحصانة جسمها عن طريق الاغتصاب وهتك العرض والتحرش الجنسي.
د- الإساءة النفسية أو العنف النفسي الذي يهدف إلى إذلال المرأة وإهانتها وزعزعة ثقتها بنفسها.
هـ – الإساءة الاقتصادية بحرمان المرأة من حقوقها المالية عن طريق السيطرة على موارد الأسرة أو حرمان المرأة من الميراث في بعض الأوساط الاجتماعية.
ويعاقب القانون على غالبية صور العنف الأسري في نصوص متفرقة. لكن هناك بعض أشكال العنف الأسري التي لا تشملها نصوص القانون صراحة، مثال ذلك:
أ- حرمان المرأة من الميراث، ويقتضي تدخلاً تشريعياً لتعديل قانون المواريث بإضافة مادة جديدة تعاقب من يحرم أحد الورثة الشرعيين ذكراً كان أو أنثى من حقه الشرعي في الميراث.
ب- ضرب الزوجات ضرباً مبرحاً يحدث بهن إصابات شديدة تحت ستار حق التأديب الذي يمارسه الزوج ضد زوجته. وقد رأينا أن القانون المصري لا يخرج ضرب الزوجة من مجال التجريم، لكن الأمر يحتاج إلى توضيح.
3- ضرب الأطفال الذي يدخله البعض في نطاق حق التأديب المقرر للأب، وقد تحدث فيه تجاوزات تصل إلى حد إحداث الوفاة أو إصابات جسيمة.
4- ختان الإناث وقد رأينا أن القانون لا يجرمه بنص صريح ويحتاج إلى تدخل تشريعي قد يكون صعباً في الظروف الراهنة. ويجب أن يشمل التجريم ولي أمر الفتاة الذي يوافق على إجراء الختان باعتباره شريكاً بالإنفاق في هذه الجريمة. كما يشمل العقاب كل من حرض علناً على ختان الأنثى.
5- إجبار الفتيات على الزواج المبكر، وهو سلوك يرتكبه أفراد الأسرة لا يعاقب عليه القانون صراحة.
6- اغتصاب الزوجة، ويدخل في نطاق جناية الاغتصاب في قانون العقوبات المصري، لأن نصوص الاغتصاب تعاقب “من واقع أنثي بغير رضاها” دون تمييز بحسب علاقة الذكر بالأنثى. وبناء عليه يشمل النص في صياغته الراهنة اغتصاب الزوج لزوجته إذا واقعها بغير رضاها الحر، لعدم التفرقة بين المعاشرة الجنسية القسرية التي تقع على الزوجة من زوجها أو الممارسة الجنسية القسرية التي تقع من الرجل على امرأة غير زوجته. وقد يرى البعض أن هناك آراء في الفقه الإسلامي تجيز للزوج مواقعة زوجته من دون رضاها، لكن القانون لم يأخذ بهذه الآراء عندما صاغ المادة 267 من قانون العقوبات. ولو أن المشرع أراد تبني هذه الآراء لكان النص قد عكس ذلك بقوله ” من واقع أنثى عدا زوجته بغير رضاها يعاقب …”، لكنه لم يفعل ذلك مما يدل على اتجاه القانون إلى اعتبار إتيان الزوجة كرها عنها جريمة اغتصاب، وهو ما يتفق مع إنسانية المرأة وكرامتها ويحترم حقوقها الإنسانية.
وتعاقب بعض القوانين صراحة على هذا الفعل عندما تعتبر المعاشرة الزوجية بالإكراه من صور العنف الأسري المعاقب عليه بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون دينار ولا تزيد على خمسة ملايين دينار أو إحدى هاتين العقوبتين (مادتان 2، 7 من قانون مناهضة العنف الأسري في إقليم كردستان – العراق رقم 8 لسنة 2011).


([1]) هذا التمييز يخالف أيضاً مبدأ المساواة المقرر في الدستور، ومؤداه أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم بسبب “الجنس”.
([2]) أوصى المجلس القومي لحقوق الإنسان في تقريره حول المراجعة الدورية الشاملة لحماية حقوق الإنسان في الفترة من 2006 – 2009، والمقدم إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، بضرورة الإسراع بإصدار تعديل قانون العقوبات المتعلق بالعنف ضد المرأة بما في ذلك التحرش الجنسي وجرائم الشرف.
الدكتور فتوح الشاذلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق