الأحد، 24 نوفمبر 2019

جريمة القتل شبة العمد غير مجرمة في قانون العقوبات المصري

جريمة القتل شبة العمد غير مجرمة في قانون العقوبات المصري " منقول "
=============


حقيقة القتل العمد: هو أن يقصد قتل شخص بما يقتل غالباً، كالسيف والسكين وغيرهما، مما هو محدد أي: (الآلات الحادة)، وكذلك ضربه بمثقل كبير يقتل مثله غالباً. سواء كان من حديد، كمطرقة وشبهها، أم كان من غير الحديد كالحجر الكبير، ويدل لذلك ما رواه أنس رضي الله عنه أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين، فسألوها من صنع بك هذا؟ فلان فلان؟ حتى ذكروا يهودياً، فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي فأقرّ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين. رواه البخاري. ومعنى رض رأسها: أي: دق. ويدخل في العمد أيضاً: إطلاق الرصاص على المجني عليه فيموت منه، وغرز إبرة في مقتل فيموت منه... إلخ. وحقيقة شبه العمد: أن يقصد المكلف الجناية على إنسان معصوم الدم بما لا يقتل عادة، كأن يضربه بعصاً خفيفة، أو حجر صغير، أو يلكزه بيده، أو بسوط، أو نحو ذلك فيصيب منه مقتلاً فيموت من ذلك. قال البهوتي في كشاف القناع: (وشبه العمد أن يقصد الجناية: إما لقصد العدوان عليه، أو قصد التأديب له، فيسرف فيه بما لا يقتل غالباً، ولم يجرحه بها فيقتل، قصد قتله، أو لم يقصده، سمي بذلك لأنه قصد الفعل، وأخطأ في القتل..) إلخ. كشاف القناع(5/603) وحقيقة القتل الخطأ: أن يفعل المكلف ما يباح له فعله، كأن يرمي صيداً، أو يقصد غرضاً، فيصيب إنساناً معصوم الدم فيقتله، أو كان يحفر بئراً، فيتردى فيها إنسان، .. إلخ. فقه السنة للسيد سابق(2/438). وعرفه ابن قدامة بقوله: (والخطأ: وهو أن لا يقصد إصابته فيصيبه فيقتله). الكافي (4/3)
والقتل العمد يوجب أموراً أربعة:
1-الإثم.
2-الحرمان من الميراث.
3-الكفارة فيما إذا عفا ولي الدم أو رضي بالدية. أما إذا اقتص من القاتل فلا تجب عليه الكفارة.
4-القود: أي (القصاص) أو العفو.
ويوجب شبه العمد أمرين:
1-الإثم، لأنه قتل نفس حرم الله قتلها إلا بالحق.
2-الدية المغلظة على العاقلة.
كما يوجب القتل الخطأ أمرين:
1-الدية المخففة على العاقلة مؤجلة في ثلاث سنين.
2-الكفارة: وهي عتق رقبة مؤمنة، سليمة من العيوب المخلة بالعمل والكسب، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين. وأصل ذلك قول الله تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً)[النساء:92] ولا يأثم القاتل هاهنا لأنه لم يتعمد القتل ولم يقصده. وبناءً على ما تقدم، فإن كان القصد من الضرب الاعتداء بغير حق وإلحاق الأذى بما لا يقتل غالباً فهو شبه عمد، وليس من قبيل الخطأ. وإن انتفى قصد الاعتداء مثل أن يرمي صيداً فيصيب إنساناً فهو خطأ. ولمزيد من التفصيل يمكنك مراجعة المغني لابن قدامة، وكشاف القناع للبهوتي، وفقه السنة للسيد سابق، والفقه المنهجي على مذهب الشافعي لمصطفى الخن، والبغا، والشوربجي لذلك سوف نستعرض في بحثنا هذا جريمة القتل شبة العمد في الإسلام ومقارنة مع جرائم القتل في القانون .
أنواع جرائم القتل في الشريعة الإسلامية
* القصاص هو عقوبة مقدّرة تجب حقاً للفرد، فنجدها تتفق مع جرائم الحدود، حيث العقوبة مقدّرة في كلتا الجريمتين، ولكن الاختلاف يبدو واضحاً لصالح من تكون هذه العقوبة..؟ أو بمعنى أوضح من هو صاحب الحق فيها ..؟ ففي جرائم الحدود نجد حق الله هو الغالب، ولايُثار نقاش في هذا الصدد إلا في جريمة القذف، كما لا يجوز العفو فيها. أما القصاص فيبدو حقاً للعبد، حيث لا تطبق العقوبة إلا بناء على طلب المجني عليه، والشريعة الإسلامية أخذت بالمبدأ في هذا النوع من الجرائم، حيث حددت الجرائم والعقوبات تحديداً غير قابل للشك أو التأويل، كما نصت على تطبيق القصاص في القتل، وإتلاف الأطراف عمداً، والجرح العمد، أما الدية فتطبق في حالة العفو من صاحب الحق في القصاص أو قيام مانع شرعي من تطبيق الحد.
أدلة التجريم:
من أدلة التجريم في جرائم القصاص والدية ما جاء في قوله تعالى :(ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق). وقوله تعالى :(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان). ويقول العمد:له عليه وسلم- :" من قُتل له قتيل فأهله بين خيرتين:إن أحبوا فالقود -أي القصاص-، وإن أحبوا فالعقل-أي الدية-".
أنواع الجــرائم في القصاص والدية :
القتل العمد :
وهو أن يقصد القاتل قتل المجني عليه بضرب محدد، أو بإحراق أوم خنق أو سم أو أية طريقة من طرق القتل العمد. في هذه الحالة يوجب القصاص، غير أن الحنيفة يرى عكس ذلك، حيث يرى أن القصاص يُوجب في القتل بالحديد. القتل شبه العمد :
وهو الجريمة التي لايقصد مرتكبها قتل المجني عليه، وتأخذ غالباً الضرب وسيلة لها، وهناك خلاف بين الفقهاء، حيث يرى بعضهم والمشهورون منهم أنه يجب تكييفها كالقتل العمد، ويرى البعض الآخر أنه يجب أن تكون كالقتل الخطأ، غير أن هناك فريقاً ثالثاً يرى ضرورة تغليظ الدية وفقاً لمذهب الشافعي.
* قتل شبه العمد: هو أن يقصد بجناية لا تقتل غالباً إنساناً معصوم الدم ولم يجرحه بها فيموت بها المجني عليه، كمن ضربه في غير مقتل بسوط، أو عصا صغيرة، أو لكزه ونحو ذلك. فالضرب مقصود، والقتل غير مقصود، فسمي شبه عمد، ولا قصاص فيه. * حكم قتل شبه العمد: محرم؛ لأنه اعتداء على آدمي معصوم. * تجب الدية في قتل شبه العمد والخطأ مع الكفارة، أما قتل العمد العدوان فلا كفارة فيه؛ لأن إثمه لا يرتفع بالكفارة لعظمه وشدته. * يجب في قتل شبه العمد: الدية المغلظة والكفارة، كما يلي:
 1- الدية المغلظة: مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((.. ألا إن دية الخطأ شبه العمد، ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل: منها أربعون في بطونها أولادُها)). أخرجه أبو داود وابن ماجه .
* تتحمل العاقلة هذه الدية أو قيمتها كما سبق، وتكون هذه الدية مؤجلة على ثلاث سنين.
2- الكفارة: وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، وتجب الكفارة من مال الجاني خاصة؛ لمحو الإثم الذي ارتكبه.
* لم يجب القصاص في شبه العمد؛ لأن الجاني لم يقصد القتل، ووجبت الدية؛ لضمان النفس المتلفة، وجُعلت مغلظة؛ لوجود قصد الاعتداء، وجعلت الدية على العاقلة؛ لأنهم أهل الرحمة والنصرة، ولزمت الكفارة الجاني عتقاً أو صياماً؛ لمحو الإثم.
* يستحب لأولياء القتيل العفو عن الدية، فإن عفوا سقطت، أما الكفارة فهي لازمة للجاني.
* يجوز تشريح الميت عند الضرورة لكشف الجريمة، ومعرفة سبب الوفاة باعتداء؛ صيانة لحق الميت، وصيانة لحق الجماعة من داء الاعتداء.
كما يجوز عند الضرورة تشريح جثث الموتى من الكفار لكشف المرض، والتعلم والتعليم في مجال الطب.
* قتل الغِيْلة: هو ما كان عمداً وعدواناً على وجه الحيلة والخداع، أو على وجه يأمن معه المقتول من غائلة القاتل، كمن يخدع إنساناً ويأخذه إلى مكان لا يراه فيه أحد ثم يقتله، أو يأخذ ماله قهراً ثم يقتله؛ لئلا يطالبه أو يفضحه ونحو ذلك، فهذا القتل غيلة يُقتل فيه القاتل مسلماً كان أو كافراً حداً لا قصاصاً، ولا يقبل ولا يصح فيه العفو من أحد، ولا خِيرة فيه لأولياء الدم.
* من خلص نفسه من يد ظالم له فتلفت نفس الظالم أو شيء من أطرافه بذلك فلا دية له.
القتل الخطأ:
وهو الفعل الذي ينتج عنه القتل دون أن يكون الفاعل قاصداً فعله، فلا قصاص في هذه الحالة، مثال ذلك شخص يريد أن يرمي صيداً فرمى شخصاً ماراً في منطقة الصيد، أو حفر بئر فوقع فيه إنسان، ففي الأمثلة السالفة ذكرها نجد أن الجاني لم ينو قتل المجني عليه، ولا يوجد لديه قصد جنائي على حد تعبير القوانين الوضعية، ففي هذه الحالة تنتفي العلة من القصاص، وقد جاء قوله تعالى :( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وكان الله عليماً حكيما). ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في دفع دية القتل الخطأ : " عشرون حُقة وعشرون جذعة، وعشرون بنت محاض، وعشرون بنت لبون".وهذان النصان يُحرمان القتل ويحددان العقوبات، غير أن الدية في وقتنا الحاضر ليس بالإمكان دفعها، وذلك بسبب اختلاف قيمة الإبل مع بقاء قيمة الفرد دائماً على ما هي عليه، فكيف يمكن تطبيق هذه الدية إذا كانت الناقة يبلغ ثمنها تسعمائة دينار ليبي، إن لم يكن أكثر من ذلك.
الجروح وعقوبتها:
حدد الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعض الجروح وترك البعض الآخر والجروح المحددة هي :
1-أرش الموضحة: وهي الجروح التي تصيب الرأس وتكشف العظم، وجعل عقوبتها خمسة من الإبل.
2 - أرش الهاشمة : وهي الجروح التي تهشم العظم، وجعل عقوبتها عشرة من الإبل.
3- أرش الأمة والدامغة : وهي الجروح التي تصل إلى الجلدة القريبة التي تغطي المخ، وجعل عقوبتها ثلث الدية.
أما الجروح التي لم تحدد فيجبل تحديدها عن طريق أهل الخبرة، ولكن بشرط عدم وصول ديتها إلى مستوى الجروح المنصوص عليها.
كما حددت العقوبة في قطع الأطراف، فيجب دفع دية كاملة إذا كان العضو المقطوع يوجد منه واحد في جسم الإنسان، مثل اللسان، وعضو الذكر، أما إذا كان العضو يوجد منه اثنان في جسم الإنسان فتكون العقوبة نصف الدية، مثال ذلك قطع اليد، وفقأ العين، حيث حددت العقوبة بخمسين من الإبل.
شروط القاتل : يجب أن يكون بالغاً عاقلاً، فلا قصاص على الصبي والمجنون، مع اعتبار أفعالهما في حكم القتل الخطأ، أما السكران فيُعاقب بالقصاص، أما المأمور إذا كان مأموراً لرئيس يجب عدم مخالفة أوامره -مثال ذلك تنفيذ الأوامر العسكرية- ففي هذه الحالة يجب تطبيق القصاص في حق الآمر والمأمور، أما إذا لم تكن طاعة الأمر واجبة يقتص من المأمور فقط.
شروط المقتول :لا يُقتص إلا إذا كان المقتول مساوياً له في الدم أو أعلى منه، فلا قصاص للأدنى من الأعلى، ولا قصاص للكافر من المسلم، ولا قصاص للعبد من الحر، وهناك من يرى أنه لا قصاص في حالة قتل الرجل للمرأة، وبالرغم من هذه الخلافات نرى أن الأمر أصبح متساوياً ما دامت النتيجة هي إزهاق الروح، خصوصاً وأن الدين الإسلامي دين عدل ومساواة ولا يؤمن بالفوارق الطبقية، كما أن الآيات التي تفرق بين العبد والحر قد نسخت.
مبدأ الشرعية في جرائم التعازير
في الحقيقة إننا لا نريد تأكيد المبدأ من عدمه في هذا النوع من الجرائم من الوهلة الأولى، بل سوف نتعرض لدراسة الآراء المؤيدة للمبدأ والمعارضة له حتى نستطيع أن نستخلص ما إذا كان قد أُخذ بالمبدأ من عدمه في هذا النوع من الجرائم.
التعريف اللغوي : هو التأديب وأصله من العزر، وهو المنع ومنه قوله تعالى :(تعزروه) بمعنى العدو عنه ومنعه.
التعريف الفقهي : التعزير عقوبة غير مقدرة تجب حقاً لله والآدمي في كل معصية ليس فيه حد أو كفارة، وهي تتفق مع الحدود، حيث تهدف إلى التأديب والإصلاح والزجر وتختلف عن الحدود في الآتي :
1 - تعزير ذوي الهيئات أخف في جرائم التعازير، وتتساوى في الحدود، والحقيقة أن المقصود بذوي الهيئات هم أصحاب المكانة الاجتماعية المرموقة، فيرى بعض الفقهاء أنه يجب أن يختلفوا في تعازيرهم عن العامة، ويبررون هذه النظرة الطبقية بأن هؤلاء قابلين أكثر من غيرهم للإصلاح، وأن ارتكابهم للمخالفة لا ينم عن شخصية ذات خطورة إجرامية، وقد جاء تأييد لمعاملة هؤلاء معاملة مختلفة عن أهل البذء والسفاهة في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-:"اقبلوا ذوي الهيئات عزاءهم".
2- جرائم التعازير يجوز فيها الشفاعة والعفو من ولي الأمر، وهي على عكس جرائم الحدود.
التعازير حق لله وحق للعبد، والحقوق في التعازير تنقسم إلى قسمين، منها ما هو حق لله، ومنها ما هو حق للعبد، والمقصود بحق الله هو الحق الذي يحقق منع ضرر عام عن الناس ولا يُقصد به رفع الضرر عن أشخاص محدودين مثل تلك الأفعال التي تمس فرداً بعينه، ولكنها تشكل خطورة على العامة فتكون العقوبة التعزيرية مانعاً عاماً لمحاربة الفساد داخل الأمة، ومن حقوق الله الخالصة تعزير فاطر رمضان، وتارك الصلاة، وحاضر مجلس الشرب، أما حق العبد فهو الحق الذي يتعلق به مصلحة أحد الأفراد.
ولكن هناك بعض الحالات التي يكون التعزير فيها حقاً لله تعالى وحقاً للفرد ولكن الطابع الغالب فيها هو حق الله تعالى، مثل تقبيل الزوجة آخر وعناقها والخلوة بها ومع ذلك قد يكون أحياناً حق الفرد غالباً على حق الله، مثل ذلك في السب والشتم، حيث يتم بشكل اعتداء على شرف وكرامة الفرد، ففي هذه الحالة نجد اعتداء على حق الله لأن الشارع حث على كف الأيدي عن الغير.
النتائج المترتبة على التفرقة :
1- في حالة التعزير الواجب حقاً للفرد إذا كان حقه غالباً على حق الله، لا يُطبق التعزير إلا بناء على دعوى من المجني عليه، ولا يجوز للقاضي إسقاط حقه أو العفو أو الشفاعة.
2- التعازير الواجبة حقاً لله يجوز لكل فرد أن يقيمها وقت القيام بالمعصية استناداً إلى أنها من باب إزالة المنكر.
3- إذا كان التعزير حقاً للفرد يجوز تكرار العقوبة بتكرار الجناية، أما إذا كان حقاً لله فلا يُقام إلا تعزير واحد.
4- من ناحية انتقال فإن ذلك يكون الإرث في التعازير التي تكون من حق الأفراد من جانب المجني عليه لا من جانب الجاني، بمعنى أن المجني عليه إذا مات جاز لأهله حق المطالبة بالتعزير، على عكس ما إذا مات الجاني فلا يجوز مطالبة ورثته، أما إذا كان حقاً لله فلا يُورث، لأن حقوق الله لا تنتقل بالوراثة، غير أنه لا يوجد حق خالص للفرد، فما من حق للفرد إلا يكون متعلقاً به حق المجتمع بأسره ولو كان ذلك بطريق غير مباشر.
أقسام التعازير : تنقسم التعازير إلى ثلاثة أقسام :
1- تعزير على المعاصي : ويُقصد بمفهوم المعصية إتيان أفعال حرمت الشريعة القيام بها وترك الأفعال الواجب القيام بها.
2- تعازير يُقصد من ورائها تحقيق مصلحة عامة، وتكون على أفعال لم تُحرم لذاتها، وإنما حُرمت بأوصافها، ولا يشترط أن يكون الفعل معصية.
3- تعازير على المخالفات : وهي الأفعال التي حُرمت بذواتها ولكنها ليست معصية.. والفرق الجوهري بين هذه الأقسام الثلاثة هو أننا نجد القسم في الأول عنصر التجريم بصفته دائماً، أم القسم الثاني فإن تجريمه ليس على سبيل الديمومة، ولا يقوم التجريم إلا بتوافر وصف معين، أما القسم الثالث فيكون إما مأموراً به أو منهياً عنه، وفي الحالتين يعتبر ما أُمر به أو نُهي عنه مخالفة وليس معصية.
أنواع العقوبات في التعازير : سبق أن تحدثنا عن العقبعضها:التعازير، ورأينا أنها غير مقدرة سواء أكانت حق الله أو حقاً للعبد، بل هي متروكة لولي الأمر يحددها بحسب ما يراه كافياً ومحققاً للردع العام والردع الخاص، وعدم التحديد لم يأت جزافاً أو قصوراً في الشريعة الإسلامية، ولكن كان ذلك لحكمة، إذ أن المولى -عز وجل- حدد بعض الأفعال التي لا تختلف من وقت إلى آخر، وتأثيرها دائم والنظرة إليها مستهجنة في المجتمع الإسلامي، فنص عليها وحددها في جرائم الحدود والقصاص، أما التعازير فهي من العقوبات المرنة التي جعلها الله سبحانه وتعالى من اختصاص ولي الأمر في المجتمع الإنساني نظراً لتجدد الأحداث وتغير أحوالها، كما أن النظرة إلى النظام العام والمصلحة العامة متغيرة، فلو حددت الأفعال سلفاً واسُتحدثت بعض الأفعال سيصبح من الصعوبة بما كان إيجاد عقوبات لهذه الأفعال، وبالتالي يفلت العديد من المجرمين في حق المجتمع من العدالة، نظراً لأن الأصل في الأشياء الإباحة، وما لم يُجرّم الفعل فلا عقوبة عليه وهذا أحسن دليل على مرونة الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان، أما العقوبات التعزيرية فهي كثيرة ومتنوعة فكل ما لم يُطبق فيه حد أو قصاص يدخل في إطار العقوبات التعزيرية، وأهم هذه العقوبات : القتل، الضرب، النفي، الحبس، التعزير بأخذ المال، العزل، التوبيخ.
وبعد هذا التحديد سنتحدث بإيجاز على سبيل المثال عن بعضها :
عقوبة القتل تعزيزا : هناك اختلافات بين الفقهاء في شرعية عقوبة القتل تعزيزا، فالعديد منهم يُجيز هذه العقوبة مثال المالكية، حيث أجازوا القتل في جريمة التجسس لصالح العدو وأيدهم في ذلك بعض الحنابلة كابن عقيل، وقد دب الخلاف بينهم حول قتل شارب الخمر وهل يعتبر حداً أم تعزيراً، وإذا أخذنا حديث قبيصة ابن ذويب الذي قال فيه إن الرسول -صلى الله عليه وسلم قال :"من شرب خمراً فاجلدوه شخصاً شاربا فإن عادها جلدة وإن عادة المرة الثالثة أو الرابعة فكانت العقوبة الجلد ورفع القتل فكانت رخصة"، وعند أبي حنيفة يجوز القتل في حالة فساد الجاني وعدم قابليته للإصلاح، كما أجازت طائفة من أصحاب الشافعي قتل الداعية لمخالفة الكتاب والسُنة. أما المعارضون لعقوبة التعزير بالقتل فقد استندوا إلى حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه :"لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة" ويرون أن هذه العقوبة مطبقة في ثلاثة حالات ولا يجوز أن تطبق فيما لم يرد في هذا الحديث.. ويرى المؤيدون للقتل تعزيزا أن هذه العقوبة وردت في العقوبات المحددة، وبما أنه نص عليها كعقوبة هذا دليل على مشروعيتها، أما تنظيم استخدامها فهذا شيء آخر غير المشروعية.
ما الفرق بين القتل قصاصاً أوحداً أو تعزيزا ؟
شرع الله عز وجل العقوبات لزجر الناس عن الجرائم، وأمر سبحانه وتعالى بتطبيق الحدود الشرعية لصلاح العباد والبلاد، فهو سبحانه خلق الخلق وهو أدرى بما يُصلح حالهم في واقعهم ومستقبلهم، فكان تطبيق الحدود الشرعية من القُربات التي يتقرب بها ولاة الأمر إلى ربهم، ومن أهم الأمور التي تحفظ الأمن، وتحقن الدماء، وتنظّم حياة الناس ومعاشهم، وبتطبيقها يرتفع لواء العدل، ويخفت صوت الظلم والجور، وتزدهر الحياة، ويرتقي الاقتصاد، وتتطور مجالات الحياة كلها . يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (حدٌ يعمل في الأرض خيرٌ لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً) رواه ابن ماجه والنسائي . فحدود الله تبارك وتعالى تُلبس المجتمع لباس الأمن والطمأنينة ؛ فيأتيه الرزق من كل مكان، وإقامتها أعظم بركة من مطر السماء، أما تخفيف الحكم عن مستوى الجناية المقترفة فيعد في حقيقة الحال ظلماً للمجنى عليه أولاً، وللمجتمع ثانياً ؛ لأن العدل هو حجر الأساس في بلادنا المباركة، لذلك فإن أي تسامح فيه أو تجاوز هو مما يهدد المجتمع في كيانه، وتطبيق الحدود - عند الثبوت وبعد الضمانات - رمزٌ للعدالة والمساواة . والحدود المقررة في الشريعة الإسلامية، سبعة حدود، هي: (حد السرقة، والزنا، والقذف، وشرب المسكر، والبغي، والردة، والحرابة) فالعقوبة المقررة في تلك الجرائم هي حقٌ لله تبارك وتعالى، استمؤثرات.لمصلحة العامة، لا تقبل الإسقاط لا من الفرد المجني عليه، ولا من الجماعة . أما جرائم القصاص فمع مساسها بكيان المجتمع، إلا أن ضررها المباشر يصيب الأفراد أكثر مما يصيب الجماعة، فالقصاص حقٌ للأفراد، فلهم العفو عن الجاني بعد الرضا وصفاء النفس، وبدون ضغوطٍ أو مؤثرات . والقتل قصاصاً هو إعدام القاتل الذي قتل غيره متعمدًا دون وجه حق، وهو القتل بإزاء القتل. أما التعزير العمد:بة لم تحدد الشريعة مقدارها، وتركت للقاضي التقدير الملائم لنوع الجريمة ولحال المجرم وسوابقه ؛ بل أعطى الشارع الحكيم الصلاحية للقاضي بفرض العقوبة المناسبة والتي يراها كفيلة بتأديب الجاني وإصلاحه، وحماية المجتمع وصيانته، وهى تبدأ بالزجر والنصح، وتتراوح بينهما الحبس، والنفي والتوبيخ، والغرامات المالية، ومصادرة أدوات الجريمة، والحرمان من تولي الوظائف العامة، ومن أداء الشهادة، وقد تصل إلى أشد العقوبات كالسجن والجلد والقتل ، ومن أمثلة الجرائم التي يحكم فيها بالقتل تعزيزا جرائم تجارة وتهريب المخدرات .
القتل في القانون
المصلحة محل الحماية في تجريم القتل :
المصلحة التي يحميها القانون عند تجريمه للقتل هي الحق في الحياة والذي يكفله القانون لكل إنسان من لحظة ميلاده إلى لحظة وفاته وفاة طبيعية. والقتل نوعان بحسب شكل الركن المعنوي إلى :القتل العمد والقتل الخطأ . والقتل العمد من الجنايات ما عدا القتل العمد في الاستفزاز ( قتل الزوج لزوجته حالة تلبسها بالزنا : مادة 237 عقوبات) ، أما القتل الخطأ فإنه دائما من الجنح.
تعريف القتل العمد :
القتل – وفقا لتعريف الفقه – هو " إزهاق روح إنسان بفعل إنسان". وكانت المادة 234 عقوبات قد اكنفسه.قرير عقوبة القتل العمدنفسه.طنفسه.ضع تعريف للقتل نفسه.نفسه .
القتل المشدد والقتل غير المشدد :
القتل العمد غير المشد هو الذي لم يقترن به ظرف من الظروف المشددة والتي قررها قانون العقوبات وهى سبق الإصرار و الترصد ،القتل بالسم ،اقتران القتل بجناية ،ارتباط القتل بجنحة ،وقوع القتل علي جريح حرب وتعاقب المادة 234 عقوبات علية بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة .
أما إذا توافر أحد الظروف المشددة، فإن درجة التشدد تختلف من ظرف إلي آخر. فهي تصل أحيانا إلي الإعدام وقد تصبح تخيريه بين الإعدام والمؤبد.
الشرط المسبق (المفترض) في جرائم القتل
المقصود بالشرط المفترض في الجريمة :
يُقصد بالشرط المفترض في الجريمة أمر يشترط القانون توافره لكي تقوم الجريمة ، ومع ذلك فإنه ليس من أركان الجريمة . فهو ضروري مثل الأركان ولكنه ليس من الأركان، فهو سابق على وجود الجريمة، مثل شرط أن يكون المجني عليه في القتل إنسان حي. وهو لا يدخل في تكوين الجريمة ، فلا تبتدأ الجريمة بتوافره ، فلا تبدأ جريبالنشاط.من اللحظة التي يتواجد فيها المجني عليه حيا .
الشرط المفترض في جريمة القتل :
الشرط المفترض في جريمة القتل هو الإنسان الحي . فلا تقوم جريمة القتل إلاّ إذا كان المجني عليه حيا عند لحظة قيام المتهم بالنشاط . وهذا هو مؤدي الشرط المفترض في الجريمة.فلا يعلية.لقتل إذا أزهق الفاعل رعلية.جنيذلك، .أما إذا كانت روحة قد فاضت قبل ذلك، فإنه يصعب أن نصف النشاط الذي فيه.ه الفاعل بأنة قتل أو حتى شروع فيه. ولا يؤثر في ذلك أن المتهم كان معتقدا أن المجني علية ما زال علي قيد الحياة وقام بالنشاط الإجرامي بشكل عادي بإطلاق الرصاص مثلا علية ،بينما هو جثة هامدة أو بضربة بعمود من الحديد مرات عديدة قاصدا قتلة .فالقاعدة تقضي بأنة لا ينسب إلي المتهم هنا لا قتل عمدا ولا شروع فيه .
أولا- المجني علية في القتل إنسان:
إذا قتل شخص حيوانا أو طائرا، فإن مخالفة قتل حيوان بعمدا.تضى هي التي تقوم (مادة 378 /7 عقوبات ) وليس جريمة القتل (مادة 234 عقوبات). ومعني هذا أن القتل لا يرد على الجنين قبل ولادته و لا علي الشخص بعد وفاته.
1- الجنين قبل الولادة ليس مجنيا عليه :
عرفت المادة 234 عقوبات المجني عليه في جريمة القتل بأنه " النفس" بقولها " من قتل نفسا عمدا ...." فالمقصود بالنفس هنا هو الإنسان المستقل وجودة.ة . أما الجنين فإنه يظل جزءا من أمة ، وإن كان جزءا قابلا للحياة المستقبلة بعد ذلك ، فلا تالسري؛صوصه مواد القتل . وهذا لا يمنع من وقوع الفعل تحت طائلة العقاب بوصف آخر غير القتل ،وهو ما أسماه قانون العقوبات "إسقاط الحوامل" (كل من اسقط عمدا امرأة حبلي بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة ) (مادة 260 عقوبات ) .
وإذا خرج المولود من بطن أمه صلح لأن يكون مجنيا عليه في جريمة القتل حتى قبل قطع الحبل السري ؛ فاستقلاله القانوني قد تحقق ، حتى لو كان استقلاله الغذائي لم يتحقق بعد وذلك باستمرار تبعيته العضوية قبل قطع الحبل السري.
ب – لا قتل بعد وفاة المجني عليه :
لا تقع جريمة القتل كما لا بالوفاة، الشروع في قتل إذا كان الالنشاط.ه قد فارق الحياة قبل وقوع النشاط . وتثور مسألة تحديد المقصود بالوفاة ، بسبب وجود ما يُسمى بالموت الإكلينيكي ، الأمر الذي سنعرض له تباعا :
1- المقصود بالوفاة :
الوفاة قد تكون طبيعمعا،وقف المخ والقلب معا ، وقد يموت المخ ويستمر القلب والدورة الدموية في العمل ، وهو ما نسميه بالغيبوبة الدائمة . فهل يعتبر ذلك نوعا من الوفاة الإكلينيكية ؟
في حالة الغيبوبة الدائمة يظل المريض طبيعي. فاقد الوعي والحركة ويمكن تغذيته بطبيعي.ناعية والاحتفاظ بقلبه وهو يعمل بشكل طبيعي . وبثار التساؤل عن مدى مسئولية الطبيب الذي يقوم بنالوفاة،زة فيتوقف القلب هو الآخر عن العمل بعد فترة بسبب عدم وصول التغذية : هل يرتكب جريمة القتل لأنه تسبب في الوفاة ؟ أم أن هذا المريض قد توفى بالفعل عندما توقف مخه نهائيا عن القيام بوظائفه وبالتالي فإن لا محل للحديث عن وقوع جريمة القتل ؟
يتجه رأي إلى عدم الاعتداد بموت المخ للقول بحدوث الوفاة ، وبالتالي فإنه لا يعتد إلاّ بالوفاة الطبيعية ولا عبرة بما يُسمى بالموت الإكلينيكي ، خاصة وأن حالة المريض يمكن أن تتطور ويعود مخه إلى العمل مرة أخرى. ويتجه رأي آخر إلى أن الاعتداد بالموت الإكلينيكي وبأنه يأخذ حكم الموت الطبيعي، فلحظة الوفاة هي إذن لحظة موذلك.خ ولو ظل قلبه ينبض. غير أنه يجب أن يقرر الأطباء أنه لا أمل في عودة المخ إلى الحياة مرة أخرى وأن يمضي من الوقت ما يسمح بتقرير ذلك . كما ينبغي إلاّ يترك أمر تقديرالموضوع،طبيب واحد، بل إلى مجموعة من الأطباء.
ويبرهن كل ذلك على حساسية ذلك الموضوع ، نظرا لتعلقه بمسألة دينية وهي الموت والحياة ، كما أن هناك شبهة في تقرير أن الشخص قد توفى حتى يتم الاستفادة من أعضاء جسمه للاتجار بها ، وهي مسألة تثير الرأي العام في الآونة الأخيرة . لذلك فإن كثيرا من مشروعات القوانين التإنسان،بالموت الإكلينيكي لا تُكلل بالنجاح.
ثانيا – الفاعل في القتل إنسان :
لا تقع جريمة القتل إذا كان الفاعل غير إنسان ، كأن يكون حيوانا هائجا أو بفعل الطبيعة كعاصفة أو أي كارثة طبيعية . فالوفاة عندئذ هي قضاء وقدر. غير أنه لا يشترط أن يصدر النشاط الإجرامي من إنسان مباشإنسان، يمكن أن يستعين الجاني بآلة موجهة ، كإرسال طرد من المتفجرات أو تحريش كلب مسعور ضد المجني عليه أو ترك ثعبان في فراشه . في كل هذه الأمثلة يصدر النشاط من الناحية القانونية من إنسان ، أما المتفجرات أو الكلب أو ا لثعبان ، فهي ليست إلاّ وسيلة استعان بها الجاني لتنفيذ نشاطه .
أما إذا حرّض شخص عاقل شخصا مجنونا أو صبيا غير مميز ( أقل من سبع سنوات ) على القتل ، فإن اتجاها في الفقه المميز،شخص المجنون في حكم الوسيلة التي يستعين بها الجاني في نشاطه ، ومن ثمّ فإن المحرض هو في حقيقة الأمر فاعل أصلي ( معنوي ) في الجريمة ، ولا جريمة تقع من المجنون أو الطفل غير المميز لعدم توافر الركن المعنوي في الجريمة .
غير أن الرأي الراجح في الفقه يتجه إلى اعتبار أن الجريمة من الوجهة القانونية تقع من المجنون أو الصبي غير المميز ، غاية الأمر أن المسئولية الجنائية تنتفي وبالتالي فإن الشخص العاقل يُسأل بوصفه محرضا في الجريمة وليس فاعلا أصليا فيها .
ويبدو أن المشرع في قانون العقوبات ينضم إلى وجهمسئول، الأخيرة حيث تنص المادة 42 عقوبات على أنه " إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال خاصة به وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانونا " . فالشخص غير المميز فاعل في الجريمة وإن كان غير مسئول ، ومن يحرضه يُعد شريكا في الجريمة ويحق عليه العقاب إذا كان بالغا عاقلا .
ثالثا – اختلاف المجنيالانتحار،لجاني: ( لا عقاب على الانتحار )
تختلف جريمة القتل عن الانتحار ، حيث إن القتل معاقب عليه ، أما الانتحار فإنه عمل غير معاقب عليه . يترتب على ذلك أنه لا شروع في الانتحار إذا أخفق الفاعل في الانتحار.
الخاتمة
          الشروع في القتل: يختلف حكم الشروع في القتل تبعاً لأثر الشروع، فإن كان الشروع قد أحدث أثراً  يقتص منه فالعقوبة القصاص، وإن أحدث أثراً لا يقتص منه، أو أثراً يمتنع فيه القصاص، فالعقوبة الدية أو الأَرْش. والأصل عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد أنهم يكتفون بهذه العقوبات ولا يوجبون معها التعزير، لكنهم يجيزون اجتماع التعزير مع الحدود إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة. وأما مالك فيوجب التعزير مع القصاص أو الدية . وعلى هذا يجب أن تطبق عقوبات القانون مع عقوبات الشريعة، كلما أوجبت الشريعة القصاص أو الدية أو الأرش، ما دام الفقهاء لا يمنعون جمع عقوبة الحد مع عقوبة التعزير، وما دام أولو الأمر قد أوجبوا عقوبات تعزيرية معينة هي العقوبات التي نص عليها قانون العقوبات، وللقاضي أن يراعي الظروف فيخفف العقوبة التعزيرية أو يشددها؛ لأن ذلك حقه طبقاً للشريعة والقانون معاً.  أما الشروع الذي لم يترك أثراً فعقوبته في الشريعة التعزير، ومن ثم تطبق عليه نصوص قانون العقوبات؛ لأن عقوباته تعزيرية.  القتل شبه العمد: يختلف الفقهاء في القتل شبه العمد، فأبو حنيفة والشافعي وأحمد يعترفون به، ومالك ينكره ولا يرى القتل إلا عمداً أو خطأ ولا وسط بينهما.  والقائلون بالقتل شبه العمد يقررون أن عقوبته الدية فقط، ولكنهم مع هذا يجيزون أن يجتمع التعزير مع الدية، فطبقاً لرأيهم تطبق نصوص القانون في القتل شبه العمد مع نصوص الشريعة، ما دام ولي الأمر يوجب التعزير فيه.  وإذا طبقنا نظرية مالك التي تجيز الجمع بين القصاص والدية وبين التعزير في الجراح، كان من المنطق أن نقول بوجوب الجمع بين الدية وبين التعزير في القتل شبه العمد؛ لأنه إذا صح أن يعاقب الجارح والضارب بالقصاص أو الدية مع التعزير، فأولى أن يعاقب الجارح أو الضارب بالدية مع التعزير إذا أدى جرحه أو ضربه للموت، ولا يقدح في هذه النتيجة أن مالكاً لا يعترف بالقتل شبه العمد؛ لأن هذه النتيجة التي خلصنا إليها هي منطق نظرية مالك في الجمع بين الحد والتعزير في الجراح، وليست منطق نظريته في إنكار شبه العمد. وإذن فآراء الأئمة جميعاً تؤدي إلى تطبيق نصوص الشريعة مع نصوص القانون المصري في وقت واحد على القتل شبه العمد، ولا يمنع هذا القاضي من أن يخفف العقوبة التعزيرية طبقاً للمادة 17 عقوبات أو طبقاً لنصوص الشريعة.  القتل الخطأ: عقوبة القتل الخطأ في الشريعة الإسلامية هي الدية المخففة، ولم يقل أحد من الفقهاء بوجوب التعزير مع الدية كما قيل ذلك في القتل العمد؛ لأن طبيعة العمد تختلف عن الخطأ، ولكنهم جميعاً يجيزون اجتماع التعزير مع الحد، وعلى هذا يجب أن تطبق عقوبة الشريعة والعقوبة القانونية كما هو الحال في القتل شبه العمد، ما دام أولو الأمر قد أوجبوا التعزير.  الجراح في العمد والخطأ: تعاقب الشريعة على الجراح المتعمدة بالقصاص كلما أمكن القصاص، لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]، وتعاقب بالقصاص في إتلاف الأطراف كلما كان القصاص ممكناً، فإذا لم يمكن قصاص فالعقوبة الدية، أو الأرش، أو الحكومة. ويوجب مالك أن يجتمع التعزير مع الدية أو القصاص تأديباً للجاني، أما بقية الأئمة فيجيزون الجمع ولا يوجبونه، فطبقاً ارأي مالك لا تعطل نصوص قانون العقوبات بل تطبق مع القصاص أو الدية كاملة أو ناقصة، وطبقاً لرأي قصدنا بالأثر معناه العام؛ فيدخل فيه الشجاج والجراح وقطع الأطراف وإتلاف معانيها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق