الدولة الموحدة ودولة الاتحاد المركزي :
المبحث الأول :
الدولة الموحدة :
الدولة الموحدة " هي الدولة البسيطة في تركيبها الدستوري , حيث
تباشر الحكم فيها سلطة واحدة تخضع لدستور واحد
وقوانين واحدة وداخل إقليم واحد
مثل العراق ومصر والبحرين :
خصائص الدولة
الموحدة :
تتميز الدولة الموحدة بوجود التنظيم السياسي
فيها والتي تتمثل في سلطات ثلاث تشريعية وتنفيذية وقضائية تقوم بجميع وظائف الدولة طبقا لقواعد الدستور
الواحد :
1- تتسم الدولة الموحدة بوحدة الدستور فلا يوجد
سوى دستور واحد يسري على كافة أجزائها .
2- وحدة
السلطة التشريعية " التي تقوم بسن
القوانين , على جميع مناطق الدولة .
3- وحدة السلطة التنفيذية التي يخضع لها الجميع في الدولة .
4- وجود سلطة قضائية موحدة يلجأ إليها الأفراد في
خصوماتهم .
5- ويعتبر أقليم الدولة الموحدة
وحدة واحدة في جميع أجزائه الحكومية .
المركزية
واللامركزية الإدارية في الدولة الموحدة :
لا يؤثر في شكل الدولة الموحدة
عند ممارستها للوظفية الإدارية أن تأخذ
بنظام المركزية الإدارية أو اللامركزية الإدارية طالما ظلت محتفظة بالوحدة في
نظامها السياسي :
والمركزية
الإدارية تعني : أن جميع الهيئات القائمة في أقليم الدولة : تخضع للسلطة الرئاسية في العاصمة دون أية اختصاصات مستقلة لوحدات أدارية .
ويحقق هذا النظام
وحدة الوظيفة وسرعة الانجاز وتوفير النفقات .
ولكن يعيبه
التركيز الشديد للسلطة و عجز السلطة المركزية عن الاحاطة بمشاكل
الأقاليم .
أما اللامركزية الإدارية فتعني توزيع الوظيفة
الإدارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وهيئات مستقلة في الأقاليم " لا مركزية محلية "
أو في بعض المؤسسات " لا مركزية
مرفقية
وتتخذ صورتين :
اللامركزية المحلية وتتحقق
عندما يمنح المشرع جزء من اقليم الدولة الشخصية المعنوية للأشراف على الهيئات
المحلية .
واللامركزية المرفقية وتتحقق عندما يمنح مرفق
عام الشخصية المعنوية وقدر من الاستقلال تحت إشراف الحكومة المركزية .
المبحث الثاني : دولة الاتحاد المركزي :
الاتحاد المركزي هو مجموعة من
الدول اتحدت واندمجت وأنشأت دولة واحدة تستقل بممارسة جميع مظاهر
السيادة الخارجية وتشترك مع الولايات بممارسة السيادة الداخلية .
ولا توجد
فيها إلا شخصية دولية واحدة وجنسية واحدة .
ولكن تتوزع الاختصاصات الداخلية
مع الولايات الداخلة في الاتحاد .
المطلب الأول :
نشأة الاتحاد المركزي :
ينشأ
الاتحاد المركزي بأحد وسيلتين :
الأولى :
اتحاد عدة دول مستقلة وتشكيلها اتحاد خاصا بها كما جرى في سويسرا .
وأمريكا حيث دخلت ال 13 ولاية في اتحاد مركزي بعد وضع
الدستور 1787 وشكلت السلطة التشريعية من مجلس النواب ومجلسي الشيوخ وتشكلت الحكومة الاتحادية من الرئيس, وباشرت
المحكمة العليا اختصاصها على رأس القضاء الاتحادي. .
أما الوسيلة الثانية :
فتتمثل في تحول دولة موحدة إلي عدة دويلات متحدة اتحادا مركزيا مثل تحول روسيا الموحدة إلي دولة اتحادية 1917
تحت اسم الاتحاد السوفييتي.
وهو يوفق بين اعتبارين أساسيين
هما رغبة أعضائه بالاتحاد ورغبتهم في المحافظة على قدر من الاستقلال . .
المطلب الثاني : مظاهر الاتحاد المركزي :
أولا : في المجال الخارجي :
يترتب على الاتحاد المركزي فناء الشخصية القانونية الدولية لكل الدول
الداخلة فيه , وظهور شخصية دولية واحدة هي
شخصية الدولة التي يحق لها إبرام
المعاهدات والتمثيل الدبلوماسي وحق تقرير
الحرب والتمتع بعضوية المنظمات الدولية .
ويترتب على ذلك أن لشعب الدولة جنسية واحدة . والنظر لإقليم
الدولة على أنها اقليم واحد :
ثانيا : في
المجال الداخلي :
الدويلات هنا لا تفقد جميع مظاهر السيادة الداخلية وأنما تتمتع بممارسة بعضها .
فكما هناك دستور اتحادي هناك دستور للولاية
, وكذلك محاكم للولاية , وسلطة تنفيذية للولاية وسلطة تشريعية
للولاية تباشر اختصاصها في حدود الولاية .
المطلب الثالث :
ازدواج السلطات العامة في الاتحاد المركزي :
يترتب
على قيام دولة الاتحاد المركزي ازدواج في السلطات العامة حيث تظهر السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على
النطاق الاتحادي كما تظهر مثيلاتها في كل ولاية من ولايات الاتحاد :
الفرع الأول :
السلطة التشريعية :
يظهر ازدواج السلطة التشريعية في وجود برلمان يمثل دولة الاتحاد بأكملها يقوم بسن
القوانين في المسائل الهامة , ووجود برلمان في كل ولاية يسن القوانين التي تخص الولاية .
وفي الغالب
السلطة التشريعية الاتحادية : من
مجلسين مجلس شعبي " لكل دولة عدد من الأعضاء يتناسب مع عدد السكان
ومجلس ثاني " تمثل فيه كل ولاية بعدد متساوي من الأعضاء بصرف
النظر عن عدد السكان . وهذا ما يحقق نوع
من الاستقلال للولايات " صغيرة
السكان : خوفا من ذوبانها وتضييع مصالح
السكان فيها .
وإذا كانت القاعدة هي تمثيل
الولايات على قدم المساواة في مجلس الولايات فإن عددا من الدول الاتحادية لم تأخذ
به مثل المانيا والهند , فالمانيا تمثل كل
ولاية ثلاث نواب على الأقل يصبحون أربعة في الولايات التي يزيد عدد سكانها عن
مليونين , وخمسة لو زاد السكان عن ستة ملايين .
ولكن ألمانيا لم تخرج عن مبدأ
المساواة من حيث النتيجة لأن لكل ولاية صوت واحد .
ويختص البرلمان الاتحادي بالتشريع في المسائل التي تهم الاتحاد باكمله
مثل مسائل العلاقات الخارجية والدفاع والجيش
والنقد والجمارك .
والقاعدة أن هناك مساواة بين
المجلسين في الاختصاص بين المجلسين بحيث يلزم موافقة كل من المجلسين على مشروعات القوانين الاتحادية حتى تتحول
إلي مشروعات نافذة , وهذا ما يسمى بالثنائية المتساوية ,
ومع
وجود الثنائية المتساوية في دستور الولايات المتحدة الأمريكية حصل المجلس الأعلى
" مجلس الشيوخ " على بعض التفوق في عدد من الاختصاصات التنفيذية غير
التشريعية , مثل سلطة التصديق على بعض أعمال رئيس الجمهورية مثل عقد المعاهدات
وتعيين كبار الموظفين .
وإذا كانت القاعدة العامة هي المساواة بين
المجلسين في الاختصاصات نجد أن الدساتير الاتحادية خرجت عليها وأعطت للمجلس الشعبي
سلطات أوسع " مما صار يعرف بالثنائية غير المتساوية " كما هو الحال في
المانيا .
أما برلمان الولاية " البرلمان هو السلطة التشريعية
" فأنه يختص بالمسائل التي تهم شعب الولاية بشرط عدم
تعارضها مع القوانين الاتحادية. .
الفرع الثاني :
السلطة التنفيذية :
تتكون السلطة التنفيذية في الدولة الاتحادية من
سلطة تنفيذية اتحادية تمثل الاتحاد بأكمله إلي جانب أجهزة تنفيذية في كل
ولاية من الولايات .
وتتكون السلطة التنفيذية الاتحاد من رئيس الدولة
والحكومة .
وتختلف طريقة الانتخاب حسب كل نظام اتحادي .
وتختص السلطة التنفيذية
الاتحادية بتنفيذ القوانين الاتحادية في جميع انحاء الدولة وتقوم بإصدار القرارات التي تتعلق بالمصالح
القومية والتي تكون نافذة في جميع
الولايات .
وتختلف طريقة الإدارة بين:
1- طريقة الادارة المباشرة : حيث يتم تنفيذ القوانين بواسطة إدارات خاصة تنشؤها الحكومة الاتحادية تكون تابعة لها ومستقلة عن الولايات.
وهي تؤدي إلي تعقيد العمل
الإداري وإثارة الحساسيات بين الولايات ودولة الاتحاد , فضلا عن النفقات الكثيرة
2- طريقة
الإدارة غير المباشرة : حيث تعهد حكومة الاتحاد إلي الولايات نفسها بمهمة تنفيذ القوانين والقرارات والتعليمات
الاتحادية ويقتصر دور السلطة الاتحادية على مراقبة التنفيذ
..
وميزة
هذه الطريقة أنها توفر الأموال وتمنع التعقيدات الإدارية وتعطيل
العمل , ولكن تؤدي إلي الإهمال من جانب الولايات في تنفيذ القوانين .
.
3 : طريقة الإدارة المختلطة :
وتجمع بين الطريقتين : حيث يتم توزيع مهمة تنفيذ
القوانين والقرارات الاتحادية بين موظفين
تابعين لحكومة الاتحاد وبين الإدارات الخاصة بالولايات وتتفادي النقد الموجه إلي كل منهما
إضافة إلي ما سبق فإنه يوجد في كل
ولاية من الولايات الداخلة في الاتحاد جهازها التنفيذ الخاص بها يتم انتخابه من
قبل الولاية مباشرة كما هو الشأن في الولايات المتحدة.
الفرع الثالث
: السلطة القضائية :
أنشأت السلطة الاتحادية أجهزة قضائها الاتحادية تختص بالمسائل التي تهم
الدولة بأسرها وتفصل في الخصومات التي تنشأ بين الحكومة الاتحادية وحكومات
الولايات .
وهناك محاكم محلية .
المطلب الرابع :
كيفية توزيع الاختصاصات بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات :
أهم سمات الدولة الاتحادية تعدد السلطات العامة فيها , فمن سلطات عامة
تابعة للدولة المركزية إلي سلطات أخرى تابعة للولايات , مما يثير مشكلة كيفية
توزيع الاختصاصات بين هذه السلطات المتعددة .
وفي هذا المجال يكون للعوامل
السياسية وظروف نشأة الدولة الاتحادية تأثير واضح في مسألة توزيع الاختصاصات .
هناك عدة طرق :
الطريقة
الأولى :
يحدد الدستور الاتحادي اختصاصات كل من الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات على
سبيل الحصر .
وهذا التحديد معيب لأنه مهما كان تحديدا مفصلا فلا يستطيع أن يحيط بجميع
المسائل , فضلا عما يستجد من مسائل جديدة
.
الطريقة الثانية : يحدد الدستور الاتحادي المسائل التي تدخل في اختصاصات سلطات حكومات
الولايات على سبيل الحصر ويترك ما عداها
من مسائل لكي تدخل في اختصاص الحكومة الاتحادية .
معنى
ذلك أن يكون اختصاصات السلطة المركزية اختصاصا عاما بينما يكون اختصاص الولايات
اختصاصا استثنائيا ومحدودا .
وهذا يؤدي إلي تقوية السلطة الاتحادية واضعاف
سلطة الولايات ,
ولعل سبب إتباع هذه الطريقة
يعود إلي أسباب سياسية منها نشوء الاتحاد
نتيجة تفكك دول كانت في الأصل موحدة أو كانت مستعمرات تابعة لسلطة واحدة هي سلطة
الدولة المستعمرة , مثل الهند .
الطريقة الثالثة : يحدد الدستور وفق هذه الطريقة المسائل التي
تدخل في اختصاص الحكومة الاتحادية على
سبيل الحصر ويترك ما عداها لتدخل في
اختصاص حكومات الولايات .
أي اختصاصات حكومات الولايات هي الأصل ,
واختصاصات الحكومة الاتحادية هي
الاستثناء .
وهذه الطريقة أخذ بها الدستور
الأمريكي .
وهذه الطريقة هي التي شاعت
في غالبية الدول الاتحادية وقد أخذت بها الولايات المتحدة وسويسرا .
وأسلوب نشأة الاتحاد كان له الأثر الحاسم , حيث أن هذه الدول كانت قبل قيام الاتحاد ترتبط
برباط الاتحاد التعاهدي , ثم أرادت أتحاد أكثر قوة وتمسكا .
وفي جميع الأحوال يلاحظ أن المسائل الرئيسية
التي تهم الاتحاد تدخل في اختصاصات السلطة المركزية مثل مسائل الحرب والسلام
والعلاقات مع الدول الأجنبية وشئون الجيش والجنسية والتجنس والهجرة والشئون المالية وإصدار الأوراق النقدية .
المطلب الخامس
: تقدير نظام الاتحاد المركزي :
ينظر بعض الفقه إلي نظام الاتحاد المركزي على
أنه نظام مؤقت ومرحلي ينتهي بتحويله إلي
نظام الدولة البسيطة أو إلي انفراط عقده وتحويل الولايات إلي دولة مستقلة :
غير أن غالبية
الفقه ترى في هذا النظام استقرار ودوام بفضل مزاياه العديدة والتي نذكر
منها :
- يساعد على تكوين دولة قوية
تحافظ على استقلالها وتتمكن من الدفاع عن كيانها .
- يعمل على
التوفيق بين رغبة الولايات في الحفاظ على استقلالها الذاتي
وإدارة شئوئها الداخلية بواسطة سلطاتها . وبين
رغبتها في الدخول في اتحاد قوي .
- يفسح المجال لتطبيق أنظمة دستورية مختلفة في الولايات
المتعددة , فإذا ثبت صلاحية نظام جرى
تعميمه على الولايات الأخرى .
- يحقق
خبرة واسعة في الشئون الدستورية
نظرا لتعدد السلطات :
على
الرغم من
هذه المزايا فإن نظام الاتحاد المركزي لا يخلو من العيوب
:
-
يتميز بتعقيد تكوينه وكثرة الهيئات التي تتولى الحكم وكثرة النفقات والضرائب .
- يؤدي إلي تداخل وتشابك الاختصاصات بين السلطات
الاتحادية والولايات وإثارة النزاعات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق